أفراد وحدتك.. أسرى محبّتك!!
الإنسان أسيرٌ للمحبة ومحكومٌ لها، حتى قيل: "الإنسان عبد الإحسان"، والإحسان والتودّد يدفعان بالإنسان إلى حد العبوديّة. وهذا إنما هو نتيجة منطقيّة للتحبّب بالنسبة للإنسان الذي لم يفقد فطريّته.
إن المحبة تقوّي من روابط الصداقة وتستأصل جذور البغضاء والكراهية، كما من شأنها تأكيد العلاقات الاجتماعية وتعميق الثقة بين الأفراد. والقائد إذا اعتمد الاحسان أسلوبًا في التعامل مع الأفراد الذين بعهدته، فإنّه يستطيع أن يهيمن بشكل رئيس على قلوبهم وأفئدتهم، ليتاح له بعد ذلك التأثير فيهم بدون عوائق أو موانع.
وعليه، فإذا كانت المحبة تشكل قاعدة وأساسًا للتربية، فإن إظهارها سيكون مؤثرًا وفعالًا.
وقد يتوهم البعض أن من الضروري، إذا أردنا للتربية أن تؤثر أثرها، أن يكون بين القائد والعنصر الكشفي حاجز من الخوف والحذر، غافلين عن أن الخوف، إذا فرضنا تأثيره جزئيًا على التخلي عن الرذائل ما دام الخوف قائمًا، بمجرد زوال أثره ستطفو تلك الرذائل إلى السطح من جديد، وربما بشكل أشد، تعويضًا لحرمانه ومنعه بغير اختياره.
وقد أثبتت البحوث المعاصرة والتجارب الكثيرة حقيقة أن إبراز المحبة والتعبير عن المشاعر والأحاسيس والوثوق والاطمئنان، أكثر تأثيرًا وجدوى في أمر التربية من التخويف كما أن من يعتمد هذه الطريقة يجد نفسه أكثر توفيقًا وأبلغ تأثيرًا. عن الإمام الصادق(عليه السلام): "الحب أفضل من الخوف"[1].
حدود المحبة بين القائد والعنصر الكشفي
يتوهم البعض أن إظهار القائد للمحبة لأفراد وحدته، يجعل منهم أشخاصًا مغرورن ومعجبين بأنفسهم. ولذلك لا ينبغي، في ما يعتقدون، التحبب والتودد لهم إلى درجة الانفتاح التام.
هذا الزعم إنما يتصور في حالة التدليل، الذي هو التحبب في غير مورده.
إن المحبة إذا وقعت في محلها، ستؤثر ليس في الطفل فحسب، بل حتى في الشباب والكبار، ولن تجعلهم مغرورين، بل واثقين من أنفسهم، وكلما كان التودد أشد كلما كان التأثير الإيجابي أشد. كما لا بد للقائد أن يعبّر بشكل دائم لعناصره عن حبه لهم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله: "إذا أحبّ أحدكم صاحبه أو أخاه فليعلمه"[2].
ويبدو لنا أن التحبب والتودد يكون له أثر سلبي في حالتين:
الحالة الأولى: في تلبية رغبات وطلبات العنصر الكشفي حتى إذا كانت في غير مصلحته. وفي هذه الحالة يكون لزامًا على القائد رفض هذه المطالب والرغبات ولكن بحنكة ولباقة، مبيّنًا للعنصر أن ذلك ليس في مصلحته مع عدم المساس بشخصيته المعنويّة، متيحًا له الفرصة كاملة للتفكير في ذلك. وبذلك يكون القائد قد حقق هدفين: الهدف الأول: أنه وفر للعنصر فرصة النضج الأخلاقي والاجتماعي. والهدف الثاني: أنه أيقظ وجدانه وروح الموضوعية عنده، حتى لا يميل مرة أخرى إلى مثل ذلك.
الحالة الثانية: في ما إذا كانت تلبية رغبات العنصر تستلزم تعديًا على حق الغير. فقد ينساق بعض القادة لتلبية رغباته لشدة محبتهم تارة، أو للتخلص من إلحاحه تارة أخرى! وهذا ما يزرع في نفس الطفل روح العداء للآخرين ويقوي هذه الرذيلة لديه، ليدفع به إلى عالم الغرور.
إن مثل هذا الطفل سيرهق القائد الكشفي، وسيكون عنصر إزعاج لباقي أفراد الوحدة، وناكرًا للجميل ومؤذيًا لأصدقائه.
وكفى برسول الله (صلى الله عليه وآله) نموذجًا ومثالًا، فقد كان خلقه الكريم الذي تجلى في سماحته ومحبته التي لا حدود لها، من أهم الأسباب لانتشار الاسلام الواسع والتوفيق العجيب له (صلى الله عليه وآله). حتى وصفه الله تعالى بأنّه كان (رحمة للعالمين)، وأنّه (نبي الرحمة). قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[3].
__________________________________________________ _______
[1]الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص503.
[2]الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص41.
[3]سورة آل عمران، الآية 159.
برامج
1343قراءة
2015-11-09 19:35:17
Fatima Nasreddine |