هل التدريب دائما هو الحلّ؟
بعد تقييم أداء المؤسسة التي أعمل فيها والذي جاءت مؤشراته متدنية حسب التقارير الصادرة عن مجلس الإدارة، فاجأنا المدير في أول جلسة بحماسةٍ مستجّدّةٍ، مُفْرِطَةٍ، صادمة، ورغبة عارمة في السعي تدريب العاملين، كلّ العاملين!
وأبلغنا أنه هذا الأداء لم يعدْ مقبولا من الموظفين وأنّه تعاقد مع إحدى شركات التدريب لتحسين أداء الموظفين في المؤسسة. وكان من جملة ما ألْمَحَ إليه أنّ التدريب مُكْلِفٌ جدًّا وأنّ المؤسسة أخذت على عاتقها ذلك ولن تكلّف الموظفين عبئًا إضافيا.
ذهبنا جميعًا إلى التدريب وإليكم الحقيقة؛ أغلب المشاركين مرّ ببرامج مشابهة، والبعض الآخر غير معني بموضوعات التدريب، وآخرين شعروا بأنه تتمّ معاقبتهم، والبعض الآخر متخصّص في هذا المجال، وبين كل أولئك الساخطين على التدريب وجدت فئة رأت التدريب فرصة للترفيه عن النفس. فذهبنا وعدنا وبقي العمل على حاله فكأننا لا ذهبنا ولا عدنا. وجاءت مؤشرات الأداء في العام التالي أدنى من السابق فجنّ جنون المدير، فالمؤسسة تكلفت مالاً كثيرًا وهي تطمع بأن يكون استثمارًا وافيًا.
قام المدير وقصد أحد خبراء التدريب عارضًا عليه مشكلته.
المدير: حضرة المستشار، نحن دفعنا مالا، ودربنا، برأيك فلماذا لم ترتفع مؤشرات الأداء؟ هل يمكن أن تكون برامج التدريب غير صالحة؟
المستشار: للنظرة الأولى يمكنني التنبؤ أنّ المشكلة غير مرتبطة بنقص في المعارف والمهارات لدى العاملين، أو أنها غير تلك التي تدرّبوا عليها.
المدير: ماذا تقصد بقولك غير مرتبطة بنقص في المعارف والمهارات هل توجد أسباب أخرى؟
المستشار: ألا يمكن أن تكون المشكلات ناتجة عن بيئة عمل غير مجدية، وغير جدّية ويسودها اللهو، فمن فطور إلى غداء ومنه إلى فنجان قهوة وحديث هنا وحديث هناك ومن أخبار السياسة إلى الرياضة إلى الفنون إلى كل أنواع وأشكال الحديث.
المدير: هذا كلّه موجود في مؤسستي وأنا لا أعلم؟
المستشار: أنا أطرح تساؤلات، لأقول أن من أسباب تدني الأداء البيئة غير المناسبة.
المدير: كنت أعتقد أن التدريب يمكنه أن يحلّ كل المشكلات، معك حق فإذا كان الموظفون يضيّعون أوقاتهم في اللهو فكيف يمكن للتدريب أن يساهم في الحل. هل توجد أمور أخرى؟
المستشار: المعدّات والتجهيزات لها دور كبير، فالتجهيزات البالية التي أكل الدهر عليها وشرب، كيف يمكنها أن تتعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات، في الجامعة منذ 30 سنة كان عدد الطلاب لا يتجاوز 1000 طالب فكان إحصاؤهم سهلا أما اليوم فنحن أمام 20000 طالب فالحاسوب يحتاج إلى من يعينه في البحث عن إسم منتسب أو رسالة في الأرشيف.
المدير: إم (مُهَمْهِمًا) هل يُحتمل وجود أسباب أخرى؟
المستشار: يمكننا أيضا أن نلقي اللوم على النظام الإداري المتّبع، ونعمل له مضبطة اتّهام. فأنا ما زلت أذكر تلك البيروقراطية السقيمة التي ذقت طعم مرارتها من أيام الجامعة حيث ورقة واحدة تحتاج إلى أربعة تواقيع وكل توقيع يحتاج إلى سفر. فكّر في هذه الورقة وهي تنتقل من صندوق بريد إلى آخر في طوابق الجامعة في رحلة شاقّة قد تتلف أو تضيع خلالها وفي حال عودتها فبشقّ الأنفس. هل تحتاج إلى كل هذا اللفّ والدوران؟ ألا يمكن لنا أن نبسط الإجراءات قليلا ونخفف التوقيعات فتسهل الأمور ويرتفع الأداء من دون أن نُشرك عاملة الكمبيوتر المجازة في برمجة الكمبيوتر لدورة محو أميّة في عالم الحاسوب.
المدير: أعتقد أنني فهمت الخطأ الذي وقعنا فيه، هو أننا قدمنا حلولا لا تتوافق مع الأسباب.
المستشار: أنتم قفزتم إلى الحل مباشرة؟
المدير: وماذا كان علينا أن نفعل؟
المستشار: كان يفترض أولا النظر في (ما يجب أن يكون؟) ثم مقارنته مع (ما أنتم عليه في المؤسسة؟) فلا يكفي أننا نريد المزيد من الإنتاج، أو نطمح للأفضل أو نرغب بالمختلف ليصبح التدريب حاجة. فلا يجب أن تقفز كلمة تدريب إلى الذهن مع كل مشكلة في العمل.
خلال التجربة اكتشفت أن أغلب مشاكل التدريب تنتج عن القفز المباشر والسريع إلى الحلول دون النظر الجيد في الأسباب.
قبل أن تبادر إلى إرسال أحد إلى التدريب إفحص جيدا الأسباب، فلا يصبح التدريب حاجة ويكون هو الحل إلا عندما تكون مشكلة الأداء متعلقة بنقص في معارفه، أو عند استقدام أدوات جديدة لم يكن للعامل من قبل فرصة الإطلاع عليها.
أمانة برامج المدربين
1549قراءة
2016-01-20 21:55:37
تنمية مجتمع |