12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

القرآن الكريم >> الإنسان في شهر رمضان من خلال القرآن

الإنسان في شهر رمضان من خلال القرآن


الكرامة الإنسانية في القرآن

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (الاسراء/70)

لو عرفنا أنفسنا فإننا سنطوي مسافة شاسعة جداً، وسنقترب إلى حيث أراد الله وإلى ما نتطلع إليه من التعالي والتسامي.
فنحن لسنا كسائر المخلوقات والأحياء الأخرى التي وُجدت في هذه الحياة، فتراها تتمتع وتهيم ثم تغادر الدنيا كما جاءت..
كلا، فنحن ممن خلقه الله وكرّمه وفضّله وسخر له الأشياء ليكون مستحقا لخلقته، وليسمو إلى مستوى ضيافة الرحمن وجليسه في مقعد صدق. وهذه فرصة لا تعوَّض، وليس من المعقول تضييعها.

ولكن الملايين، بل آلاف الملايين من البشر أضاعوا فرصة عمرهم عبر التاريخ، فهبطوا إلى مستوى البهائم، ولم يعد ثم فرق بينهم وبينها؛ بل هم أضل سبيلا، كما عبر عنهم الخالق عز وجل نفسه.

وليس تحرر الإنسان ‘لا عدم خضوعه لغير العقل الذي يهديه إلى الله والشرع القويم، ويجنبه الوقوع في كمائن الشيطان والشهوات، والاستسلام للضغوط والإرهاب، لأن الإنسان الحر بحق يرى نفسه أكبر من السقوط، وأشرف من الشهوات، وأقوى من الضغوط والإرهاب والأطماع والرغبات والأنانيات.. وإذا كان الإنسان كذلك، فإنه استحق الحياة وسما إلى حقيقة الإنسانية وجوهرها.

ولكنه إذا انهار أمام ما يتعرض له من الفتن، فلا يسعه إدعاء الحرية والكرامة، كما لا يمكنه اشتراط عدم تعرضه للمصاعب والفتن في إطار نيله الكرامة.

إن الإنسان خلال حياته الدنيوية محكوم في الخوض في الفتن والتعرض للإرهاب والرغبات والبلاء عموما. فالتاريخ يضغط عليه، وكذلك التربية والمجتمع والسلطة.. وكل ذلك يريد سرقة الحرية والكرامة منه.
وهو ملزم أيضا بالانتصار على كل هذه العوامل، وليس ذلك ـ الانتصار ـ بالغريب على الإنسان الطموح إلى بلوغ جوهر الإنسانية ومن ثم جنان الخلد ورضوان الله.

فهذه السيدة الجليلة آسيا بنت مزاحم وزوجة فرعون، جاهدت ـ بما للكلمة من معنى ـ لنيل كرامتها وحريتها، ولم يخدعها ما كانت تتمتع به من إمكانات، كما لم يثن عزمها التعذيب الفرعوني الرهيب. ومثل آسيا الآلاف المؤلفة ممن استعادوا حرياتهم الحقيقية، ونالوا كرامتهم الأصيلة، مفضلين التحدي وتجاوز العقبات الكئيدة على الخضوع للشهرة العابرة والسقوط في مهاوي الدنيا المتلونة المضطربة. فالحرية في نظرهم العامل المهم في فرض النظام وبسط العدالة على مناحي الحياة، والاستمرار في عملية التحدي في طريق الحصول على الكرامة والكمال، مهما كلف ذلك من ثمن..


التقوى ركيزة

{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } (الانفال/29-30)

لكي ينتصر الإنسان على أعدائه، لابد أن تتوفر فيه ولديه شروط عديدة:

أولا: أن تكون لديه العزيمة الكافية والإرادة الأكيدة لمقاومة الأعداء.
ثانيا: أن تتوفر فيه الرؤية الواضحة لتشخيص العدو، ولإحراز طرق مواجهته.
ثالثا: أن تكون لديه القدرة المناسبة على التركيز والتعاون وتكثيف القوة.
رابعا: أن تكون لديه القيادة الفذة لتوجيه مسيرة المعركة.
خامسا وأخيراً: وفرة الوسائل المادية التي تتيح له فرصة الانتصار.

والآن إذ المسلمون قوة كبيرة على وجه الأرض، كيف يمكنهم توجيه هذه الإمكانات التي بين أيديهم إلى قوة فعلية حقيقية؟ وكيف يمكنهم الاستفادة من مميزات شهر رمضان المبارك في هذا الإطار؟

وقبل الإجابة على ذلك، لابد من معرفة أن ركيزة القوة الأساسية لدى الإنسان المؤمن هي التقوى، حيث ينطلق منها لتصحيح مسار حياته والوصول إلى أهدافه.
وهذه التقوى لا يمكن تحصيلها إلا بالمران والمراس والتربية الذاتية.

وشهر رمضان الكريم هو شهر التقوى بحق، وقد جاء في كتاب ربنا المجيد: يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/183) أي إن الصائم ملزوم بالنهوض بمستوى تقواه في هذا الشهر إلى حد يضمن له تحقيق أهدافه..

ترى ما هي العلاقة اذن بين التقوى وبين تلكم الشروط المتقدمة الذكر؟
ان العلاقة واضحة من حيث إن التقوى تجعل الإنسان ذا فرقان يعرف به الحق والباطل فيميز بينهما، وقد قال سبحانه وتعالى: يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَاناً (الانفال/29) والتقوى تؤهل المرء ليمز الخير من الشر والصحيح من الخطأ والصديق من العدو. اذن فهي تعطيه الرؤية السليمة.

ثم إن التقوى تجعل المسلمين أقرب إلى بعضهم، لأن الحواجز التي تمنعهم عن بعضهم كالحميات والعصبيات والأنانيات كلها تنهار أمام كلمة التقوى وآفاقها. اذن فهي عامل توحيد لا تفرقة.

والتقوى أيضا تعرفهم على القائد المناسب أو الأنسب، لأن الأتقى والأفقه والأعلم هو القائد الصحيح للأمة، إذ تحت لوائه ينصهرون ويقومون بالدور الكبير.

ومن هنا؛ يقول ربنا سبحانه وتعالى بهذا الصدد: وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (الانفال/30) لأن التقوى كما هي ردع النفس عن ارتكاب المحرمات، هي في الوقت ذاته إعطاء الخطة المناسبة لمقاومة مكر المنحرفين والطغاة..


التقوى؛ ينبوع الوحدة

{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَاَنْقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (آل عمران/102-10)

شهر رمضان الفضيل يمنحنا الفرصة للتزود من معين التقوى، إذ التقوى هي المحصلة النهائية العظيمة لشهر الله الكريم.
أما كيف نستفيد من هذه التقوى، وفي أي مجال؟

لنعلم ان الروافد التي تنبعث من ينبوع التقوى كثيرة ومتنوعة. فالتقوى تجعلنا أقدر على تزكية النفس، وأقدر على معرفة الأعداء وتحديدهم والتصدي لهم. الا أن للتقوى رافداً عظيماً للغاية، ولو تعرفنا إليه واستطعنا تفعيله في حياتنا لكنا من الفائزين بإذن الله عز اسمه، إنه رافد الوحدة. فربنا تبارك وتعالى قبل أن يأمرنا بالإعتصام بحبله يحثنا على تحصيل ملكة التقوى، فيقول:{ يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }.

فمن دون أرضية التقوى، ومن دون عمارة النفوس بروح التقوى ومخافة الله والساعة، فإن قضية التقوى ومشروعها سيكونان إطاراً بلا محتوى، في حين انه يجب ان تكون محتوى قبل ان تكون إطاراً؛ أي وجوب تآلف النفوس على أساس التقوى.

ولذلك؛ قال الله سبحانه بعد الأمر الصارم والمطلق بالتقوى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ثم قال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ أي إن هذه نعمة من الله يلزم وضعها نصب أعيننا كمؤمنين، وهي الوحدة بين القلوب؛ القلوب كلها وبأنواعها، كالوجدان، ونقطة التقاء العواطف، والعقول، والوجود الإنساني عموما. فالقلوب هي التي اتحدت بسبب التقوى، وبسبب معرفة الله سبحانه وتعالى.

فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً فالتقوى تجعل المؤمنين إخواناً في الدنيا رغم تفرق أبدانهم ومصالحهم الفردية ومواطنهم وانتماءاتهم العرقية وألوانهم ولغاتهم.

وعلى ذلك؛ فمن الجدير الاستفادة من روح التقوى التي يحصل عليها المرء خلال شهر رمضان المبارك لإنجاز مشروع الوحدة الكبير، عبر المحاولات المستمرة والجدية في هدم حواجز الشيطان التي من شأنها الفصل بين الأخ وأخيه، والصديق وصديقه، والمجاهد ونظيره، وعبر الاقتراب المتواصل، لكي يتم في نهاية المطاف تشكيل الكتلة الإيمانية القوية القادرة على مقاومة ومواجهة التحديات المادية والمعنوية، ومواجهة البأساء والضراء..


من أجل سلامة الجيل الجديد

{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلآئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (التحريم/6)

جاء في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه حضر شخصا يعالج سكرات الموت، فجلس عند رأسه وقال له: يا فلان قل لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فلم يسع الرجل التفوه بذلك. فألح عليه النبي، فلم ينطق بكلمة واحدة مما أمره به. وعند ذاك سأل النبي من كان حوله عما إذا كان لهذا الرجل المحتضر أماً أو أباً، فقيل له: ان له أما، فأمر بها النبي، فأحضرت عنده. فقال لها رسول الله: أأنت راضية عن ولدك؟ فقالت: كلا؛ يا رسول الله! لست راضية عنه لما آذاني. فنصحها النبي بأن ترضى عنه، فلم يزدها ذلك إلا إصرارا على غضبها من إبنها. وإذ ذاك أمر النبي -الرؤوف الرحيم- بأن يوقد للرجل حتى يضرم فيه النار. فاضطربت المرأة أشد الاضطراب لما ينوي النبي فعله، فقال لها: إن إبنك هذا يستحق النار ما لم ترضي عنه، ونار جهنم أشد عليه من هذه النار التي أريد إحراقه فيها. فأعلنت المرأة رضاها عن إبنها. فما كان منه إلا ان نطق بالشهادتين وتوفي راضية عنه أمة...

من الملاحظ أننا لا نرضى -عادة- لأولادنا أن يصيبهم أبسط الألم، فلماذا نرضى لهم أن يكونوا وقوداً لنار جهنم يتعذبون فيها خالدين. ولعل السبب في ذلك أننا نغفل أو نتغافل عما يفعله الأولاد من الموبقات والفواحش التي يستحقون عليها عذاب النار، ثم نكون معهم حيث نستحق النار أيضا بغفلتنا تلك.

في حين أننا إذا أولينا لهم الإهتمام بهم فربيناهم التربية المناسبة ووضعنا كل شيء في محله، دخلوا ودخلنا معهم الجنة الأبدية، وكنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ولقد كان من عظيم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه مر وأصحابه على قبر، فبدت على وجه النبي ملامح الحزن، فسئل عن ذلك، فقال: لأنني عرفت أن صاحب هذا القبر يعذب في الوقت الحاضر. ثم أنه عاد بعد فترة مع أصحابه على القبر ذاته، فلم يبدو عليه ما كان عليه أول مرة، فقيل له: يا رسول الله هذا نفس القبر الذي حزنت على صاحبه. فقال عليه الصلاة والسلام: بلى؛ لكن العذاب قد ارتفع عنه، لأنه كان له ولد وقد بلغ وشهد الشهادتين فغفر له من أجل ذلك..

وفي شهر رمضان نستطيع أن نضع لأنفسنا ـ واستلهاماً مما نقرأه من كتاب الله وروايات النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام أفضل برامج التربية لأولادنا وتحويلهم إلى رجال صالحين ونساء صالحات، لنكون قد قدمنا لديننا ومجتمعنا أفضل الخدمة من جانب، ونكون قد ضمنا لأنفسنا شفاعة من صلح من ذريتنا في دخول الجنة واستحقاق رضوان الله الأكبر..

 

 

مهدي
1506قراءة
2016-01-20 17:32:29

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا