الإمام الباقر (عليه السلام) والقرآن الكريم
فضل قراءة القرآن
حث الإمام الباقر (عليه السلام) المؤمنين على تلاوة كتاب الله العزيز. لأنه المنبع الأصيل والدستور الدائم لهداية الناس واستقامتهم في حياتهم الفردية والاجتماعية. فالقرآن يحيي القلوب بنوره، ويمد قارئه بطاقات من الوعي ونشاط البصيرة إلى حد بعيد. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل قراءة القرآن. كتاب الله الذي وصفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال:
(فإن هذا القرآن حبل الله المتين فيه إقامة العدل، وينابيع العلم، وربيع القلوب)(1).
وحبل الله المتين طرف منه بيد الله عز وجل والطرف الآخر بيد العترة الطاهرة أهل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله)(2). وبذلك يصبح القرآن عصمة للمعتصمين، ونوراً للمستضيئين.
والقرآن ينابيع العلم: لأنه يبين للناس أبواب العلم وطرقه، ويفتقه من أكمته (3) وقد شبهه بينابيع الماء المتفجرة، وعيونه المستنبطة ولأن العلم يحي الغليل بعد الشك المحير، كما يبرد الماء الغلة بعد العطش المبرِّح.
والقرآن ربيع القلوب: فالقلوب الواعية هي بمنزلة الربيع للإبل الراعية لأن القلوب تنتفع بتدبر القرآن وتأمله، كما تنتفع الإبل بتحمض الربيع وتنقله (4). فهذا غذاء للأرواح وذلك غذاء للأجسام. لذلك كله دعا الإمام (عليه السلام) إلى تلاوة القرآن فروى (عليه السلام) ما قاله جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل تلاوته.
(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية، كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثماية آية كتب من الفائزين ومن قرأ خمسماية آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر)(5).
كما وردت أحاديث مماثلة لهذا الحديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكلها تحث المسلمين على تلاوة كتاب الله وتحفزهم على الإمعان في آياته والتأمل في أسراره، ولا ريب أنها كلها تصب في تنمية العقول وتهذيب النفوس وإبعادها عن الانحراف عن الخط الإسلامي، وهدايتها إلى سواء السبيل.
ترتيل القرآن الكريم
إن تلاوة القرآن وترتيله بصوت حسن يتفاعل مع عواطف الإنسان وينفذ إلى أعماق القلوب، وذلك لما اشتمل عليه من الحكم الخالدة والمعارف العامة التي يحتاجها كل إنسان في حياته الفردية والاجتماعية على حد سواء.
وقد اعتنى أهل البيت بتلاوة القرآن الكريم وشجعوا على ذلك فكان الإمام الباقر من أحسن الناس صوتاً بقراءته للقرآن. روى أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائي بهذا أهلك والناس، فقال (عليه السلام): يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، ورجع بالقرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعاً)(6).
المحرفون للقرآن الكريم
لقد ذم الإمام الباقر المحرفين لكتاب الله، وهم الذين يؤولون آياته حسب أهوائهم. فقد كتب (عليه السلام) في رسالته إلى سعد الخير: (وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده، فهم يرونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية)(7).
ومن ذلك التحريف استعمالهم المجاز في غير ما هو له:
شاع المجاز في لغة العرب كالاستعارات والكنايات والمجازات وكلها تعتبر من لطائف هذه اللغة ومحاسنها. وفي القرآن الكريم طائفة كبيرة من الآيات الكريمة كان الاستعمال فيها مجازياً. منها قوله تعالى: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ أستكبرت أم كنت من العالين)(8).
فالمنصرف من اليد هو العضو المخصوص ويستحيل ذلك عليه سبحانه وتعالى. فسأل محمد بن مسلم الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك فأجابه: (اليد في كلام العرب تعني القوة والنعمة من ذلك قوله عز وجل: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار)(9) (والسماء بنيناها بأيد)(10) أي بقوة. وقال: (وأيدهم بروح منه) ويقال لفلان عنيد أياد كثيرة أي فواضل وإحسان وله عندي يد بيضاء أي نعمة). (واليد العليا خير من اليد السفلى) أي النعمة من العاطي إلى المعطى.
فاليد هنا كما نرى استعملت في غير معناها المنصرف فجاء مجازاً وقد تأتي حقيقة على أنها مشتركة اشتراكاً لفظياً في هذه المعاني الذي ذكرها الإمام (11).
البسملة هي جزء من سور القرآن الكريم
ذهب أهل البيت ومعهم الإمام الباقر (عليه السلام) إلى أن البسملة جزء من سور القرآن الكريم، وتبعهم جمهور غفير من علماء المسلمين وقراؤهم (12). كتب يحيى بن أبي عمران رسالة إلى الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها: (جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب، فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فأجابه (عليه السلام) برسالة جاء فيها: (يعيدها مرتين) (13) ثم عمت الأخبار عند الجميع بجزئيتها ومن أنكر ذلك فقد شذ وأخطأ.
(1) المجازات النبوية للشريف الرضي ص222.
(2) راجع خطبة الرسول (صلّى الله عليه وآله) يوم الغدير (إني تارك فيكم الثقلين القرآن وعترتي).
(3) الأكمة غطاء النور الذي يخرجه النبات.
(4) الحمض: ما ملح ومر من النبات وهو كفاكهة للإبل.
(5) البيان في تفسير القرآن ص25.
(6) نفسه ص210 وراجع أصول الكافي للكليني.
(7) الوافي ص274 آخر كتاب الصلاة.
(8) سورة ص، الآية 75.
(9) سورة ص، الآية 45.
(10) سورة الذاريات، الآية 77.
(11) سورة المجادلة، الآية 22.
(12) تفسير الألوسي ج1 ص39 وكذلك الشوكاني ج1 ص7.
(13) فروع الكافي ج3 ص312 ومعنى قوله (عليه السلام) مرتين: يعني أنه كرر لفظ الإعادة من باب التوكيد.
معالم مشعة من حياة الباقر عليه السلام
د. حسين إبراهيم الحاج حسن
مهدي
1761قراءة
2016-01-20 17:49:30
doha tarhini |