في كنف آية
سلسة موضوعات للاطلالة على بعض الآيات القرآنية.
نبدأ بالآية الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله }
صدق الله العظيم
تتعرض الآية الكريمة إلى الشرائط التي يتحلى بها من يعمر مساجد الله ، وهي إذا اجتمعت في إنسان أثمرت له النجاح في الحياة ، والفوز بالجنان في الآخرة .
فضل المسجد :
إن المسجد هو أشرف مكان في الدنيا ، وأحب إلى قلوب أولياء الله من الجنة ، وهو المدرسة التي ينبغي أن يتربى ويترعرع فيها الإنسان بين أجواء العبادة والعلم ، والتواصل والاجتماع مع أهل التقوى والإيمان عارفاً ما هي عظمة المسجد ومكانته وقداسته ،ملبياً دعوة الله وأهل البيت (ع) لإتيان المسجد حيث يقول الإمام الصادق (ع) :عليكم بإتيان المساجد فإنها بيت الله في الأرض ، ومن أتاها متطهراً طهّره الله من ذنوبه وكتب زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء . ويبشر الله سبحانه الذين يمشون إلى المساجد ويكثرون التردد إليها ، وخاصة في الليل بأن لهم نورهم يوم القيامة .
ما المراد من العمارة ؟
ربما يتوهم البعض أن المقصود من عمارة المسجد بناؤه أو ترميمه فقط . فهو وإن كان مطلوباً كما في الحديث من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة غير أنه ليس كل المقصود بل جزؤه لأن الجزء الآخر والأهم هو العمارة البشرية إضافة إلى العمارة الحجرية ومعنى العمارة هي بإدراك حقيقة العبودية وتجسيدها في العبادة والسجود لعظمة الخالق سبحانه سواء في الدعاء أو الصلاة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بيان أحكام الدين أو الاجتماع في طلب المعارف الإلهية مع المحافظة على كافة آداب المسجد الآتي ذكرها .
آداب المسجد :
آداب المسجد عديدة منها نورد منها بحديث عن الرسول الأكرم (ص) قوله :لا ترفع الأصوات ولا يخاض فيها الباطل ولا يشتري فيها ولا يباع ، واترك اللغو ما دمت فيها فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك .
وهناك آداب أخرى يلزم ذكرها على وجه الترتيب :
أولاً : ما يرتبط بآداب الدخول إلى المسجد وهو أمور :
الأمر الأول : تقديم الرجل اليمنى في الدخول و اليسرى في الخروج .
عنهم صلوات الله عليهم : الفضل في دخول المسجد تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت واليسرى إذا خرجت .
الأمر الثاني : السكينة والوقار .
في الحديث :من أراد دخول المسجد فليدخل على سكون ووقار فإن المساجد بيوت الله وأحب البقاع إليه . وعليه يكون مخالفاً للآداب أن يقترب المرء من باب المسجد وهو لا يزال يجادل أو يرفع صوته في حديث دنيوي يختص بالمكاسب والأرباح المالية لتجارته وما شاكل هذا المعنى .
الأمر الثالث : الاستعاذة .
عن النبي الأكرم (ص) : إذا دخل العبد المسجد فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال : أوه كسر ظهري ، وكتب الله له بها عبادة سنة ، وإذا خرج من المسجد يقول مثل ذلك كتب الله بكل شعرة على بدنه مائة حسنة ورفع له مائة درجة .
الأمر الرابع : الطهارة .
والمراد منها أن يكون الإنسان متوضئا قبل دخول المسجد حيث يوصي بذلك النبي (ص) قائلاً : لا تدخل المساجد إلا بالطهارة .إضافة إلى حرمة دخول المسجد للمجنب والحائض ومن عليه حكم الحدث الأكبر .
الأمر الخامس : الدعاء عند الباب .
عن مولانا الإمام العسكري (ع) : إذا أردت دخول المسجد ...وقل : بسم الله وبالله والله وإلى الله وخير الأسماء كلها لله ، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك وتوبتك واغلق علي أبواب معصيتك واجعلني من زوارك وعمّار مساجدك .
ثانياً : ما يتعلق بالكون في المسجد وهو كذلك أمور :
1. عدم رفع الصوت .
2. عدم اللغو والخوض في الباطل .
3. اجتناب الروائح المؤذية ، عن أمير المؤمنين (ع) : من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربن المسجد .
4. ترك البيع والشراء .
5. عدم الإنفراد بالصلاة والجماعة قائمة ، فالصلاة في تلك الحالة فيها إشكال شرعي .
6. التزين والتعطر .
7. إبعاد المجانين عن المسجد حفاظاً على مكانته وطهارته .
8. القيام بخدمة المسجد من خلال كنسه وإنارته وغير ذلك وهو مأثور في أيام مخصوصة أيضاً.
عن النبي (ص) :من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له .
وفي حديث آخر : من أحب أن يكون قبره واسعاً فسيحاً فليبن المساجد ومن أحب أن لا تأكله الديدان تحت الأرض فليكنس المساجد ومن أحب أن لا يظلم لحده فلينور المساجد ، ومن أحب أن يبقى طرياً تحت الأرض فلا يبلى جسده فليشتر بسط المساجد .
الآية الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ }
صدق الله العظيم
ورد في كتب التّفسير ، أنّ المقصود بقوله تعالى {ليدخلوا المسجد}: " المسجد الأقصى " (1) وورد "مسجد بيت المقدس " (2) وورد "بيت المقدس " (3) . وورد في (مجمع البيان في تفسير القرآن ) أنّ المقصود :" بيت المقدس ونواحيه ، فكنّى بالمسجد - وهو المسجد الأقصى - عن البلد 00" (4) وقال صاحب تفسير الميزان أنّ " المراد بالمسجد هو المسجد الأقصى - بيت المقدس - 000"(5) وعن تسمية المسجد الأقصى أنّه " قد سمّي المسجد الأقصى لكونه أبعد مسجد بالنّسبة إلى مكان النّبيّ (ص) ومن معه من المخاطبين وهو مكّة الّتي فيها المسجد الحرام ." (6) وفي تفسيره للآية الأولى من سورة الإسراء قال : " وقد افتتحت السّورة فيما ترومه من التّسبيح بالإشارة إلى معراج النّبيّ (ص) ، فذكر إسراؤه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس والهيكل الّذي بناه داوود وسليمان (ع) وقدّسه الله لبني إسرائيل " (7)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)من وحي القرآن / السّيّد محمّد حسين فضل الله
تقريب القرآن إلى الأذهان / السّيّد محمّد الحسيني الشّيرازي
(2) مقتنيات الدّرر وملتقطات الثّمر / مير سيّد عليّ الحائري الطّهراني
(3)التّبيان في تفسير القرآن / الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطّوسي
الجديد في تفسير القرآن / الشّيخ محمّد السّبزواري النّجفي
تفسير شبّر / السّيّد عبد الله شبّر/ص280
(4)مجمع البيان في تفسير القرآن / الشّيخ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطّبرسي/م4/ج15/ص17
(5) الميزان في تفسير القرآن / السّيّد محمّد حسين الطّباطبائي/م13/ص41
(6) الميزان في تفسير القرآن / السّيّد محمّد حسين الطّباطبائي/م13/ص7
(7) الميزان في تفسير القرآن / السّيّد محمّد حسين الطّباطبائي/م13/ص6
الآية الثالثة
آيـة الإســراء
قال تعالى : { سبحان الّذي أسرى بهبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } سورة الإسراء/الآية1
والمعنى (عن الميزان ) : "لينـزّه تنـزيها من أسري بعظمته وكبريائه وبالغ قدرته وسلطانه بعبده محمّد في جوف ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس ، الّذي بارك حوله ليريه بعظمته وكبريائه آياته الكبرى " (1)
وفي (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ) :" الآية الأولى من سورة الإسراء تتحدّث عن إسراء النّبيّ (صلى الله عليه وآله) أي سفره ليلا من المسجد الحرام في مكّة إلى المسجد الأقصى في القدس الشّريف . وقد كان هذا الإسراء مقدّمة لمعراجه (صلى الله عليه وآله) إلى السّماء، وتبيّن أنّ سفر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تمّ في ليلة واحدة على الرّغم من أنّ المسافة بين المسجد الحرام وبيت المقدس تقدّر بأكثر من مائة فرسخ " (2)
وورد في منتخب البيان :" والمسجد الأقصى ، بيت المقدس ، وهو مسجد سليمان بن داوود (صلى الله عليه وآله)" (3)
وفي التّبيان في تفسير القرآن :" المسجد الأقصى هو بيت المقدس ، وهو مسجد سليمان بن داوود (عليهما السلام) وإنّما قيل الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام والّذي يشهد به القرآن الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " (4)
وفي تفسير شبّر ( من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) : بيت المقدس . (5)
وفي مختصر مجمع البيان : "(إلى المسجد الأقصى ) بيت المقدس . وإنّما قال الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام." (6)
وفي تفسير مقتنيات الدّرر وملتقطات الثّمر : " والمسجد الأقصى ، البيت المقدّس . وإنّما قال (الأقصى) لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ، وهي مسيرة أربعين ليلة " (7)
وفي الجديد في تفسير القرآن : "(إلى المسجد الأقصى ) أيّ بيت المقدس ، وإنّما قال الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ، وليس وراء المسجد الأقصى مسجد " (8)
وفي التّفسير لكتاب الله المنير :" المسجد الحرام في مكّة والأقصى في فلسطين ." (9)
وفي تفسير مواهب الرّحمن في تقريب القرآن : "(إلى المسجد الأقصى ) أيّ الأبعد . فقد كان أهل مكّة يسمّون بيت المقدس بالمسجد الأقصى لبعده عن محلّهم ثمّ صعود الرّسول (صلى الله عليه وآله) من المسجد الأقصى إلى السّماء يسمّى معراجا ، لعروجه من هناك إلى السّماوات ." (10)
وفي جوامع الجامع : " ونكّر قوله ليلا لتقليل مدّة الإسراء ، وأنّه أسرى (أسري) في ليلة من جملة الّليالي من مكّة إلى الشّام مسيرة أربعين ليلة ، وقد عرج به إلى السّماء من بيت المقدس في تلك الليلة ، وبلغ البيت المعمور ، وبلغ سدرة المنتهى والمسجد الأقصى : بيت المقدس ، لأنّه لم يكن حينئذ وراءه مسجد " (11)
وفي تفسير البرهان : عن الصّادق (عليه السلام) قال : "لمّا أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، رأى في طريق الشّام عير قريش بمكان ، فقال لقريش حين أصبح : يا معشر قريش إنّ الله تبارك وتعالى قد أسرى بي في تلك الّليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يعني بيت المقدس "(12)
ويقول صاحب تفسير الميزان :" وعلى أيّ حال فالإسراء الّذي تعطيه الآية : { سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } وهو الإسراء الّذي كان إلى بيت المقدس ، كان مبدؤه المسجد الحرام لكمال ظهور الآية ، ولا موجب للتّأويل ." (13)
وفي تفسير الكاشف :" المسجد الأقصى ، هيكل سليمان (عليه السلام) وبعد أنّ فتح المسلمون القدس ، بنوا مسجد عمر ومسجد قبّة الصّخرة داخل الحرم القدسيّ ، إنّ المسلمين يقدّسون كلاًّ من المسجد الحرام والمسجد الأقصى حيث توجّوا إليه في صلاتهم ثلاثة عشر عاما بمكّة وبضعة أشهر بالمدينة ، وإذا أضفنا إلى ذلك إسراء النّبيّ (صلى الله عليه وآله) إليه ، لم يكن عجبا أن يتّخذه المسلمون مكانا مقدّسا لهم وقد جاء في كثير من الرّوايات أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قيّد البراق بالصّخرة المقدّسة حين بلغ به الإسراء إلى بيت المقدس . وحتّى الآن يسمّى الجدار الغربيّ للحرم القدسيّ بجدار البراق . وجاء في الرّوايات أيضأ أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) صلّى على أطلال هيكل سليمان إماما لإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)، وأنّ عرج بعد ذلك إلى السّماء متّخذا من صخرة يعقوب مركزا لمعراجه إلى السّماء ." (14)
المسجد الأقصى : بيت المقدس أو البيت المعمور :
في تفسير بيان السّعادة في مقامات العبادة :" (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) الّذي في بيت المقدس ، أو إلى المسجد الأقصى الّذي هو في السّماء الرّابعة المسمّى بالبيت المعمور الّذي المسجد الأقصى مظهره ، وهو ملكوته . كما أنّ السجد الحرام مظهره ، وهو ملكوته ." (15)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الميزان في تفسير القرآن/ السّيّد محمّد حسين الطّباطبائي/م13/ص7
(2)الأمثل في كتاب الله المنـزل / ناصر مكارم الشّيرازي
(3)منتخب التّبيان / الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن احمد بن إدريس الحلبي
(4)التّبيان في تفسير القرآن / الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطّوسي
(5)تفسير شبّر / السّيّد عبد الله شبّر
(6) مختصر مجمع البيان في تفسير القرآن / الشّيخ محمّد باقر النّاصري
(7)مقتنيات الدّرر وملتقطات الثّمر / مير سيّد عليّ الحائري الطّهراني
(8) الجديد في تفسير القرآن / الشّيخ محمّد السّبزواري النّجفي
(9) التّفسير لكتاب الله المنير / محمّد الكرمي
(10) مواهب الرّحمن في تقريب القرآن / السّيّد عبد الأعلى الموسوي السّبزواري
(11)جوامع الجامع / أبو عليّ الفضل بن الحسن الطّبرسي
(12)تفسير البرهان /السّيّد هاشم الحسيني البحراني
(13) الميزان في تفسير القرآن/ السّيّد محمّد حسين الطّباطبائي/م13/ص31
(14)تفسير الكاشف / الشّيخ محمّد جواد مغنيّة
(15)بيان السّعادة في مقامات العبادة / الحاج سلطان محمّد الجنابذي
شهر الجهاد الأكبر
يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾1.
مقدمة
إن الله تعالى في هذه الاية يتحدث عن غاية ايجاب الصوم التي هي رجاء تحصيل التقوى.
ذلك ان شهر رمضان فرصة أتاحها الله تعالى كي يمارس الإنسان فيها جهاد نفسه ليصلحها ويتزود من مائدة الكرم والرحمة والبركة الإلهية ليصلح ما فسد منه ويتداركه. ففي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"... هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله".
وأفضل الوسائل لجهاد النفس هو الجوع والعطش فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"وجاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله وأنه ليس من عمل أحب الى الله من جوع وعطش".
ومن عجيب التشريع والحكمة الإلهية ان مأدبة الله في الشهر الشريف ليست طعاماً، ولا شراباً ماديين وانما هي لذائذ معنوية أهم وأدوم من الأكل والشراب فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
"اجيعوا أكبادكم واعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله عز وجل".
وهذا غاية أي سلوك وجهاد وكد وتعب ونصب.
وتتحقق هذه الفرصة للجهاد الأكبر في هذا الشهر بعدة أمور تشكل عوامل اعانة وتوفيق في مضمار جهاد النفس:
1- شهر رمضان شهر ترويض النفس
فعن الإمام الرضا عليه السلام:
"... وليكون ذلك (الصوم) واعظاً لهم في العاجل ورائضاً لهم على أداء ما كلفهم ودليلاً في الاجل..." فدور الصوم اتاحة فرصة تعويد وترويض النفس على العبادة والطاعة وهو دورة تدريبية لتصبح لديه ملكة العبادة.
2- دورة تدريبية عبادية عامة
إن الإنسان في غير شهر رمضان ربما يدخل مضمار جهاد النفس وحيداً بينما يشكل الشهر الشريف دورة جماعية مع ما في ذلك من عون إلهي لتقوية الدافع عند كل البشر لتحصيل ملكات الخير خصوصاً بالنظر الى ما ورد منها في خطبة الرسول.
3- تسكين الشهوات
وفي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام:
"مع ما فيه من الإنكسار عن الشهوات".
إن الإنسان يحتاج في عملية جهاد نفسه الى أن يقوى عليها مع استعدادها للخضوع فبالصوم تضعف قوى الجسد وتسكن الشهوات فيسهل العمل.
4- التذكير بالآخرة
في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام:
"لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الاخرة...".
فكما يحتاج الإنسان في عملية ترويض نفسه وجهادها الى العمل كذلك يحتاج الى ما يذكره بمواقف الاخرة ليكون واعظاً له.
ففي خطبة الرسول:
"واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه".
5- التحرر من وساوس الشيطان
إن مما يعيق الإنسان في عملية اصلاح نفسه هو اعانة الشيطان لهوى النفس وغوايته لها.
والله عز وجل من كرمه يمنع هذا اللعين في هذا الشهر وجنوده من ذلك ففي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
"... والشياطين مغلولة فأسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم".
وهذا بحد ذاته فرصة ليعرف الإنسان الى أي مدى تأصلت في نفسه الأمراض الأخلاقية ليعمل على علاجها خصوصاً إذا وجد من نفسه ميلاً لها رغم كون الشياطين مغلولة.
6- التدريب على الصبر
فالصبر أساس ثبات الإنسان ومن لا صبر له لا يمكن أن يكون ثابتاً وشهر رمضان يعودنا الصبر وينمي هذه الملكة فينا من خلال ممارسته عملياً بتحمل الجوع والعطش والكف عن الملذات الأخرى.
ولذا ورد في القران الكريم:
﴿اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾2.
فعن الإمام الصادق عليه السلام تفسير الصبر بالصيام.
7- التخلص من أوزار الذنوب
إن مما يعيق سير الإنسان الى الله في عملية جهاد النفس هو اثار الذنوب وتبعاتها التي تعرقل خطى تكامله وتثقلها وشهر رمضان هو وسيلة الخلاص من تبعات هذه الذنوب:
"قد اقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة".
ولذا فان عدم الإستفادة من فرصة شهر رمضان لتحصيل غفران الذنوب خسارة وأي خسارة.
فعن صادق الأئمة عليه السلام:
"من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له الى مثله من قابل إلا أن يشهد عرفة".
وفي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر".
خاتمة
ولذا أخي العزيز فإن الله الكريم قد فتح بابه ومد مائدته فهل تعرض عنها لتكون من الأشقياء أم تستفيد منها لتكون من الأتقياء السعداء والمولى في كرمه لم يتركنا في حيرةٍ من أمرنا فصَّل عبر رسول رحمته محمد صلى الله عليه وآله وسلم خطوات العمل في هذا الشهر من الدعاء الى الإستغفار الى صلة الأرحام وتحسين الخلق...
وترك لنا نحن أن نجتهد في العدد والكيفية، ولذا حفظاً لجميل الرسول الأكرم تعالوا نتبنى البرنامج العبادي والأخلاقي والإجتماعي الذي أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الشهيرة.
مستفيدين من برنامج مراقبات شهر رمضان الذي بين أيدينا.
ـــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:183.
2- البقرة:153.
التعديل الأخير تم بواسطة مهدي ; 06-08-2012 الساعة 10:24 AM.
رد مع اقتباس إقتباس متعدد لهذه المشاركة الرد السريع على هذه المشاركة
#5 أضافة تقييم إلى مهدي
قديم 07-08-2012, 04:24 PM
مهدي مهدي غير متواجد حالياً
شهر القرآن..
يقول تعالى:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾1.
فضل القران الكريم
كلام اللّه
إن كل شيء يأخذ قيمته بمقدار ارتباطه باللّه سبحانه وتعالى، فكلما ازداد الارتباط ازدادت القيمة، وهكذا الكلام، فما دام الارتباط وصل الى مستوى أنه كلام اللّه فكل كلام دونه وكل فضل له ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَق﴾2.
وقد وصف اللّه تعالى القران بأوصاف عديدة منها:
1- هدى ورحمة: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾3.
2- نور: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾4.
3- ذكر: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾5.
4- موعظة: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِه﴾6.
5- حكمة: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم﴾7.
6- إنذار: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِه﴾8.
7- بشرى: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا﴾9.
8- مبارك: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾10.
ولعله الى معنى البركة هذه أشار أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه:
"لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء".
دوره في حياة المسلم
إن كل هذه الصفات التي أوردناها للقران الكريم ليست مجرد أوسمة توضع على الصدر للتشريف وإنما هي كلام من علام الغيوب، يريد من خلاله إن يشير الى دور عملي وأثر مادي ومعنوي لهذا الكتاب العظيم، فما هو هذا الدور وما هو هذا الأثر؟
دوره الروحي
1- شفاء الروح: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين﴾11.
- خشوع القلب: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾12.
كيف لا، وقد قال تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه﴾13.
- ثبات الأنفس: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾14.
دوره العملي
1- تبيان كل شيء
إن القران الكريم هو رسالة ومنهاج يرسم حياة الإنسان كلها ويوجهه باتجاه كماله المرسوم، ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾15. ففيه ما يحتاجه الإنسان في دنياه لدنياه واخرته.
2- فرقان
الذي يميز فيه بين الحق والباطل ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾16.
وكما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد سيكون في أمتك فتنة، قلت: فما المخرج منها؟ فقال كتاب اللّه فيه بيان ما قبلكم من خير وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل".
تكليفنا تجاه هذا الدور
فهو أمانة نُسأل عنها: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾17, وأن أعرضنا عنها فمصيرنا في الاخرة حمل الوزر: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾18 وإن هجرناها كنا مورد الشكوى.
فعن الإمام الصادق عليه السلام:
"ثلاثة يشكون الى اللّه عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق وقد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه".
القران الكريم ليس مجرد كلمات تقرأ على رأس الميت عند موته، ولا هو مجرد زينة تعلق قلادة على الصدور أو تنقش زخرفة في المساجد والحسينيات، بل هو رسالة حياة يجب أن تدخل في رأس الإنسان الحي. ونوراً يجب أن يشق الصدور ليدخل الى القلوب.
كيف نجعله رسالة في حياتنا
تعقل القران وتدبره: أمرنا اللّه تعالى بقراءة القران ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾19 لكنه عز وجل أرادنا أن نتدبر اياته ونتعقل معانيه ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ﴾20.
تفسيره عند أهل العلم: والقران الكريم يحتاج لمن يفسره، ولا يجوز للإنسان أن يحكم أهواءه لتفسير القران الكريم، خصوصاً في الايات غير الواضحة والتي تحتمل أكثر من معنى، بل عليه أن يراجع العلماء الذين استفادوا في تفسيرهم من الثقل الاخر أهل البيت عليهم السلام ﴿آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾21.
انعكاس هذه الاستفادة على الحياة: وأمرنا اللّه تعالى أن نقتدي بالقران ونتبعه فقال عز من قائل ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾22، ﴿وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾23، بل أمرنا أن نمسكه بقوة فقال تعالى: ﴿خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾24.
العلاقة بين شهر الله وكتاب الله
قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾25، وتوقيت نزوله في شهر رمضان ليس هو من قبيل الصدفة ولا هو من قبيل الخيار المساوي لغيره من الخيارات، بل هناك ميزة تربط بين الحدثين، أراد اللّه تعالى أن يلفت الناس إليها.
وهذا ما يدعونا لأن نضع لأنفسنا قرانيا برنامجاً عملياً لهذا الشهر المبارك.
وقد ورد في الروايات ما يؤكد ذلك أيضاً فعن الإمام الرضا عليه السلام:
"من قرأ في شهر رمضان اية من كتاب اللّه عز وجل كان كمن ختم القران في غيره من الشهور".
فاغتنموا الفرص قبل أفولها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الإسراء:9.
2- البقرة:252.
3- الأعراف:52.
4- النساء:174.
5- طه:113.
6- البقرة:231.
7- يونس:1, , لقمان:2.
8- الأنعام:19.
9- مريم:97.
10- الأنعام:155.
11- يونس:57.
12- الزمر:23.
13- الحشر:21.
14- النحل:102
15- النحل:89.
16- الفرقان:1.
17- الزخرف:44.
18- طه:99-100.
19- المزمل:20.
20- محمد:24.
21- العنكبوت:49.
22- الاعراف:3.
23- الأعراف:170.
24- البقرة:63, الأعراف:171.
25- البقرة:185.
شهر الدعاء
يقول تعالى:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾1.
مقدمة
الاية المذكورة أتت في ضمن الايات التي تحدثت عن إيجاب الصيام وعلته ومدته وتوقيته وحكم قضائه. وكأن في ذلك الفاتة مهمة الى ان المولى هو قريب من العباد ولكنه في شهر رمضان وللصائمين أقرب من أي زمن وأي حال ولذا فالرشيد والحكيم من يستغل هذا القرب من الله ليبثه شكواه ويرفع إليه حوائجه ولذا ورد في خطبة النبي عبارتان حول الدعاء في الشهر الشريف:
الأولى: "... ودعاؤكم فيه مستجاب".
الثانية: "... وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها
أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة الى عباده ويجيبهم إذا سألوه وناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه".
وللدعاء مضامين عبادية وتربوية تتلخص فيما يلي:
1- الدعاء استجابة آلهية لحاجة بشرية
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾2.
وكما يعبر الإمام الخميني قدس سره إن الإنسان بل الوجود كله عدا الله عز وجل ليس شيئاً له الفقر بل هو عين الفقر والإحتياج ولولا تواصل الفيض والكرم الإلهي لانعدم وما بقي.
2- تواصل مع الغني المطلق وتوطيد للعلاقة معه عز وجل وتأصيل اليقين بأنه هو الغني والكريم الذي لا يبخل إن دعي.
﴿اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
3- استشعار الكرم الإلهي
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"ما كان لله ليفتح لعبد باب الدعاء فيغلق عنه باب الإجابة، الله أكرم من ذلك".
4- استشعار القرب الإلهي
﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾3.
فالإنسان عندما يطلق لسانه للتعبير عن ما في قلبه من الحاجات مع اليقين بسمع الله له يشعر نتيجة هذا التوجه ان من يناديه قريب خصوصاً عند الإجابة.
5- الدعاء وسيلة يرجى منها الرشد
﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
6- الدعاء استجابة بشرية لدعوة الى مائدة الكرم الإلهي
﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل".
7- اليقين بالله وبقدرته
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي﴾:
"يعلمون أني اقدر على أن أعطيهم ما يسألون".
ولذا كان من شرائط الدعاء معرفة الله.
فقد سأل بعضهم الإمام الصادق عليه السلام قائلين: ندعو فلا يستجاب لنا! قال:
"... لأنكم تدعون من لا تعرفونه...".
8- اعتراف عملي بالفقر والإحتياج
فالدعاء ممارسة عملية لمعتقد ويقين قلبي مفترض وهو أن الإنسان فقير محتاج ضعيف يحتاج الى ربه وبالدعاء يمارس الإنسان طقساً عملياً من واقع هذا الفقر
والإحتياج.
9- الدعاء نفي للكبر
إن الدعاء مع ما فيه من التذلل والتواضع للذات الإلهية واعتراف بالغنى والعظمة الإلهيين هو بعين هذا يحطم كبر الإنسان ولذا اعتبر المولى عز وجل الإعراض عن
هذا اللون من التواصل معه استكباراً فقال:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾4.
10- الدعاء دعوة الى الشعور بآلام الآخرين
فقد ورد استحباب تقديم الدعاء للغير قبل الدعاء للنفس والأهل فقد ورد ان الإمام الحسنعليه السلام سأل أمه الزهراء عليها السلام بعد أن سمعها تدعو في صلاة الليل للجيران ولم تدع لأهل بيتها فأجابته: "يا بني الجار قبل الدار".
11- الدعاء وسيلة لتعزيز حسن الظن بالله
وقد ورد:
"إذا دعوت فظن حاجتك بالباب".
فالثقة وحسن الظن بالله أحد وسائل استجابة الدعاء.
12- اعتياد التوجه الى الله
وقد ورد في ذلك: "من لجَّ ولج".
وأيضاً: "من ادمن طرق الباب أوشك أن يفتح له".
ـــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:186
2- فاطر:15
3- البقرة :186
4- غافر:60
القرآن كتاب هداية
أشارت جملة من الايات والنصوص إلى أن الوظيفة الأساس هي الهداية، يقول تعالى:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾.
﴿.. إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام:
"اعلموا أن هذا القران هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدّث الذي لا يكذب وما جالس هذا القران أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى أو نقصان من عمى".
وليس القران كتاب بركة فقط ليتبارك به الناس دون وعي وتطبيق لمضمونه.
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة، إن الله تعالى لا يعذّب قلبا وعى القران".
وليس القران للقراءة بصوت حسن فقط دون ائتمام عملي به:
قصة: "ورد أن أمير المؤمنين عليه السلام وصاحبه كميل سمعا في الليل رجلا يتلو قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ﴾ بصوت شجيّ، فاستحسن كميل ذلك في باطنه، وأعجبه حال الرجل، ولم يقل شيئا، فالتفت عليه السلام إليه وقال:
"يا كميل لا يعجبك طنطنة الرجل، إنه من أهل النار، وسأنبّؤك فيما بعد".
وبعد مدة طويلة وقعت النهروان وقتل الخوارج، فمرّ أمير المؤمنين عليه السلام على قتلاهم، ووضع رأس سيفه على أحدهم وقال لكميل: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ...﴾ فقبّل كميل قدمي علي عليه السلام واستغفر الله.
الدعوة إلى دراسة القرآن
ولكون القران كتاب هداية دعا الإسلام إلى قراءته:
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"يقال لصاحب القران إذا دخل الجنة اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل اية درجة حتى يقرأ اخر شيء معه منه".
إنها القراءة المتدبّرة بايات القران الكريم دراسةً فيه للإستفادة منه:
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"إن أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القران، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان".
أماكن التلاوة:
وأحبّ الله تعالى أن يقرأ القران في المساجد:
ورد في الحديث:
"إنما نصبت المساجد للقران".
وورد أن أمير المؤمنين عليه السلام:
"سمع ضجة القارئين في المسجد، قال: "طوبى لهؤلاء كانوا أحبّ الناس إلى رسول الله".
ومنح الله قارئي القران ودارسيه في بيوت الله بركة خاصة:
ففي الحديث:
"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذَكَرهم فيمن عنده".
تعليم الأولاد كتاب الله:
وأحب الله أن يتعلم الأولاد القران الكريم، وشجع على ذلك بلغة الثواب:
فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
"مَن علّم ولداً له القران قلَّده قلادة يعجب منها الأولون والاخرون يوم القيامة".
بل إن الإسلام جعل تعليم القران من حقوق الأولاد على ابائهم:
كما ذكر أمير المؤمنين عليه السلام:
"حق الولد على الوالد أن يحسِّن اسمه، ويحسِّن أدبه، ويعلِّمه القران".
هلمّ بنا إلى منبع القران ننتهل منه علما لأن الغرض من وجود هذا الكتاب العزيز بيننا هو كما عبّر الإمام الراحل قدس سره:
"لكي يصبح القران في متناول أيدي الجميع حتى يستفيدوا منه بمقدار سعتهم الوجودية والفكرية، وطبعاً فإن بعض الايات لا يمكن أن يفهمها إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمتعلِّم بتعليمه، ويجب علينا فهمها بواسطتهم، وإن الكثير من الايات الأخرى هي في متناول أيدي الجميع من حيث يجب عليهم استخدام أفكارهم وعقولهم ليستفيدوا منها مسائل للحياة سواء في هذه الدنيا أو الحياة الأخرى" الثقل الأكبر ص 72.
ما ورد في روايات أهل البيت في ظل آية دحو الأرض
قال الله تعالى :
"والأرضَ بعدَ ذلك دَحاها" .
"والأرضِ وما طَحاها" .
• في خطبة للإمام عليّ عليه السلام قال فيها: «كبَسَ الأرضَ على مَوْر أمواجٍ مُستَفحِلة، ولُججِ بحارٍ زاخرة، تَلتطمُ أواذِيُّ أمواجِها، وتَصطفِقُ مُتَقاذِفاتُ أثباجِها، وتَرغو زبَداً كالفُحول عند هِياجها، فخَضعَ جِماحُ الماء المتلاطم لثِقَل حملها، وسكنَ هَيْجُ ارتمائه إذا وطِئتْه بكَلْكَلِها، وذلّ مُسْتخذِياً إذ تمعّكت عليه بكواهلِها، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه، ساجياً مقهوراً، وفي حَكَمة الذُّلّ منقاداً أسيراً، وسكنت الأرض مَدْحُوّةً في لُجّة تيارِه...»
• وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: لمّا أراد الله تعالى أن يخلق الأرض، أمرَ الرياح فضرَبنَ وجهَ الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبَد فصار زبداً واحداً، فجمعَه في موضعِ البيت ثمّ جعله جبلاً عن زبَد، ثمّ دحا الأرض مِن تحته، وهو قول الله تعالى: إنّ أوّل بيتٍ وُضِعَ للناسِ لَلّذي ببكّةَ مُباركاً .
وفي رواية أخرى ذكر البيت العتيق قائلاً: إنّ الله خلقه قبل الأرض، ثمّ خلق الأرضَ مِن بعده فدحاها مِن تحته.
• وجاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: إنّ الله تعالى دحا الأرض مِن تحت الكعبة إلى مِنى، ثمّ دحاها مِن مِنى إلى عَرَفات، ثمّ دحاها من عَرَفات إلى مِنى. فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة.
• وضمن بيانه لعلل الأحكام والشرائع وبعض أسرار الحجّ وفضائله.. قال الإمام عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه: وعلّة وضع البيت (أي الكعبة المشرّفة) وسطَ الأرض؛ أنّه الموضع الذي مِن تحته دُحيت الأرض... وهي أوّل بقعةٍ وُضعت في الأرض؛ لأنّها الوسط، ليكون الغرض لأهل الشرق والغرب في ذلك سواء.
من شبكة الإمام الرضا عليه السلام
الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: 128861309052133862.jpg المشاهدات: 16 الحجـــم: 70.7 كيلوبايت الرقم: 2939
آية المباهلة
قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(1) .
هذه الآية تسمّى بـ «آية المباهلة».
المباهلة في اللغة
المباهلة: من البهل، والبهل في اللغة بمعنى تخلية الشيء وتركه غير مراعى، هذه عبارة الراغب في كتاب المفردات(2) .
وعندما تراجعون القاموس وتاج العروس وغيرهما من الكتب اللغوية ترونهم يقولون في معنى البهل أنّه اللعن(3) .
لكنّي رأيت عبارة الراغب أدق، فالبهل هو ترك الشيء غير مراعى، كأنْ تترك الحيوان مثلاً من غير أن تشدّه، من غير أن تربطه بمكان، تتركه غير مراعى، تخلّيه وحاله وطبعه.
وهذا المعنى موجود في رواياتنا بعبارة: «أوكله الله إلى نفسه»، فمن فعل كذا أوكله الله إلى نفسه، وهذا المعنى دقيق جدّاً.
تتذكّرون في الأدعية تقولون: «ربّنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً»، وإنّه لمعنى جليل وعميق جدّاً، لو أنّ الانسان ترك من قبل الله سبحانه وتعالى لحظة، وانقطع ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، وانقطع فيض الباري بالنسبة إليه آناً من الانات، لانعدم هذا الانسان. لهلك هذا الانسان.
ولو أردنا تشبيه هذا المعنى بأمر مادّي خارجي، فانظروا إلى هذا الضياء، هذا المصباح، إنّه متّصل بالمركز المولّد، فلو انقطع الاتصال آناً ما لم تجد هناك ضياءً ولا نوراً من هذا المصباح.
هذا معنى إيكال الانسان إلى نفسه، تقول «ربّنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً».
هناك كلمة لامير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، أُحبُّ أن أقرأ عليكم هذه الكلمة، لاحظوا، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:
«إنّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان، رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضالٌّ عن هدي من كان قبله، مضلٌّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّالٌ لخطايا غيره، رهنٌ بخطيئته»(4) .
وجدت عبارة الراغب أدق، معنى البهل، معنى المباهلة: أن يدعو الانسان ويطلب من الله سبحانه وتعالى أن يترك شخصاً بحاله، وأنْ يوكله إلى نفسه، وعلى ضوء كلام أمير المؤمنين أن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الشخص أبغض الخلائق إليه، وأيّ لعن فوق هذا، وأيّ دعاء على أحد أكثر من هذا ؟
لذا عندما نرجع إلى معنى كلمة اللعن في اللغة نراها بمعنى الطرد، الطرد بسخط، والحرمان من الرحمة، فعندما تلعن شخصاً ـ أي تطلب من الله سبحانه وتعالى أن لا يرحمه ـ تطلب من الله أن يكون أبغض الخلائق إليه، فالمعنى في القاموس وشرحه أيضاً صحيح، إلاّ أنّ المعنى في مفردات الراغب أدق، فهذا معنى المباهلة.
إذن، عرفنا لماذا أُمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمباهلة، ثمّ عرفنا في هذا المقدار من الكلام أنّه لماذا عدل القوم عن المباهلة، لماذا تراجعوا، مع أنّهم قرّروا ووافقوا على المباهلة، وحضروا من أجلها، إلاّ أنّهم لمّا رأوا رسول الله ووجوه أبنائه وأهله معه قال أُسقفهم: «إنّي لارى وجوهاً لو طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لازاله»(5) .
فلماذا جاء رسول الله بمن جاء ؟ لا نريد الان أن نعيّن من جاء مع رسول الله، لكن يبقى هذا السؤال: لماذا جاء رسول الله بمن جاء دون غيرهم ؟ فهذا معنى المباهلة إلى هنا.
دلالة آية المباهلة على إمامة عليّ (عليه السلام)
أمّا وجه الدلالة في هذه الاية المباركة، بعد بيان شأن نزولها وتعيين من كان مع النبي في تلك الواقعة، دلالة هذه الآية على إمامة علي من أين ؟ وكيف تستدلّون أيّها الاماميّة بهذه الاية المباركة على إمامة علي ؟
فيما يتعلّق بإمامة أمير المؤمنين في هذه الاية، وفي الروايات الواردة في تفسيرها، يستدلّ علماؤنا بكلمة: (وأنفسنا) ، تبعاً لائمّتنا (عليهم السلام).
ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الاية المباركة هو أمير المؤمنين (عليه السلام)نفسه، عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة، وهذه القصّة، وكلّهم أقرّوا بما قال أمير المؤمنين، وصدّقوه في ما قال، وهذا
الاحتجاج في الشورى مروي أيضاً من طرق السنّة أنفسهم(6) .
وأيضاً هناك في رواياتنا(7) أنّ المأمون العباسي سأل الامام الرضا (عليه السلام)قال: هل لك من دليل من القرآن الكريم على إمامة علي، أو أفضليّة علي ؟ السائل هو المأمون والمجيب هو الامام الرضا (عليه السلام).
المأمون كما يذكرون في ترجمته كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي وغيره(8) أنّه كان من فضلاء الخلفاء، أو من علماء بني العباس من الخلفاء، طلب المأمون من الامام أن يقيم له دليلاً من القرآن، كأنّ السنّة قد يكون فيها بحث، بحث في السند أو غير ذلك، لكن لا بحث سندي فيما يتعلّق بالقرآن الكريم، وبآيات القرآن المجيد.
فذكر له الامام (عليه السلام) آية المباهلة، واستدلّ بكلمة: (وأنفسنا) .
لانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أُمر أنْ يخرج معه نساءه، فأخرج فاطمة فقط، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين فقط، وأُمر بأن يخرج معه نفسه، ولم يخرج إلاّ علي، وعلي نفس رسول الله بحسب الروايات الواردة بتفسير الآية، كما أشرنا إلى مصادر تلك الروايات، ولم يخرج رسول الله إلاّ عليّاً، فكان علي نفس رسول الله، إلاّ أن كون علي نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن، فيكون المعنى المجازي هو المراد، وأقرب المجازات إلى الحقيقة يؤخذ في مثل هذه الموارد كما تقرّر في كتبنا العلمية، فأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون علي مساوياً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّ المساواة مع رسول الله في جميع الجهات وفي جميع النواحي حتّى النبوّة ؟ لا.
فتخرج النبوّة بالاجماع على أنّه لا نبي بعد رسول الله، وتبقى بقيّة مزايا رسول الله، وخصوصيات رسول الله، وكمالات رسول الله، موجودةً في علي بمقتضى هذه الآية المباركة.
من خصوصيّات رسول الله: العصمة، فآية المباهلة تدلّ على عصمة علي بن أبي طالب قطعاً.
من خصوصيّات رسول الله: أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله قطعاً.
من خصوصيّات رسول الله: أنّه أفضل جميع الخلائق، أفضل البشر والبشريّة، منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى العالم وخلق الخلائق كلّها، فكان أشرفهم رسول الله محمّد بن عبدالله، وعلي كذلك.
إنّ هذه الآية المباركة ـ وهناك أدلّة أُخرى أيضاً ـ تدلُّ على أنّ عليّاً أفضل من جميع الانبياء سوى نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم).
فحينئذ حصل عندنا تفسير الآية المباركة على ضوء الاحاديث المعتبرة، حصل عندنا صغرى الحكم العقلي بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، بحكم هذه الاحاديث المعتبرة.
وناهيك بقضيّة الأولويّة، رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
إنّ الأحاديث كلّها وإنْ اختلفت ألفاظها، اختلفت أسانيدها، اختلفت مداليلها، لكنّ كلّها تصبّ في مصب واحد، وهو أولويّة علي، وهو إمامة علي، وهو خلافة علي بعد رسول الله بلا فصل.
وفي حديث الغدير: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه».
نفس المعنى الذي قاله في حديث الغدير، هو نفس المفهوم الذي تجدونه في آية المباهلة، وبالنظر إلى ما ذكرنا من المقدّمات والممهّدات، التي كلّ واحد منها أمر قطعي أساسي، لا يمكن الخدشة في شيء ممّا ذكرت.
إذن، كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم في تقدّم الاسلام، كان علي شريكاً لرسول الله في رسالته.
وهذا معنى (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي)(9) ، فهارون كان ردءاً يصدّق موسى في رسالته، وهارون كان شريكاً لموسى في رسالته.
وهذا معنى: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»، وقد قلت من قبل: إنّ الاحاديث هذه كلّها تصب في مصبّ واحد، ترى بعضها يصدّق بعضاً، ترى الاية تصدّق الحديث، وترى الحديث يصدّق القرآن الكريم، وهكذا الامر فيما يتعلّق بأهل البيت:
رسول الله يجمع أهله تحت الكساء فتنزل الاية المباركة آية التطهير، وفي يوم الغدير ينصب عليّاً ويعلن عن إمامته في ذلك الملا فتنزل الاية المباركة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(10) .
وأي ارتباط هذا بين أفعال رسول الله والايات القرآنيّة النازلة في تلك المواقف، ترون الارتباط الوثيق، يقول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) ويخرج رسول الله بعلي وفاطمة والحسن والحسين فقط، وهذا هو الارتباط بين الوحي وبين أفعال رسول الله وأقواله.
إذن، فالآية المباركة غاية ما دلّت عليه هو الامر بالمباهلة، وقد عرفنا معنى المباهلة، لكن الحديث دلّ على خروج علي وفاطمة والحسن والحسين مع رسول الله.
الآية المباركة ليس فيها إلاّ كلمة: (وأنفسكم) لكن الحديث فسّر تفسيراً عملياً هذه الكلمة من الآية المباركة، وأصبح علي نفس رسول الله، ليس نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي، فكان كرسول الله، كنفس رسول الله، فكان مساوياً لرسول الله، ولهذا أيضاً شواهد أُخرى، شواهد أُخرى من الحديث في مواضع كثيرة.
يقول رسول الله مهدّداً إحدى القبائل: «لتنتهنّ أو لارسل إليكم رجلاً كنفسي»، وكذا ترون في قضيّة إبلاغ سورة البراءة، إنّه بعد عودة أبي بكر يقول: بأنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بأنّه لا يبلّغ السورة إلاّ هو أو رجل منه، ويقول في قضيّة: «علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي»، وهو حديث آخر، وهكذا أحاديث أُخرى يصدّق بعضها بعضاً.
مقتطفات من محاضرة آية المباهلة
للسيد علي الحسيني الميلاني
____________
(1) سورة آل عمران: 61.
(2) المفردات في غريب القرآن: «بهل».
(3) تاج العروس: «بهل».
(4) نهج البلاغة: 51، الخطبة رقم 17.
(5) راجع: الكشاف 1 / 369، تفسير الخازن 1 / 242، السراج المنير في تفسير القرآن 1 / 222، تفسير المراغي 13 / 175، وغيرها.
(6) ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 3 / 90 الحديث 1131.
(7) الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 38.
(8) تاريخ الخلفاء: 306.
(9) سورة القصص: 34.
(10) سورة المائدة: 3.
كيف أتبع أهل البيت عليهم السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
[قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى]. الشورى/ 23.
صدق الله العلي العظيم
أ. في كنف الآية:
تبيّن لنا الآية أن النبي صلى الله عليه وآله لا يريد أجراً ولا جزاءً على إبلاغ الرسالة إلا مودة أهل بيته عليهم السلام، ومودتهم ترتبط بقضية الولاية وقبول قيادتهم عليهم السلام حيث تعتبر في الحقيقة استمراراً لقيادة النبي صلى الله عليه وآله واستمراراً للولاية الإلهية. ومن الواضح أن قبول هذه الولاية والقيادة كقبول نبوة النبي صلى الله عليه وآله ستكون سبباً لسعادة البشرية نفسها وستعود نتائجها إليها، وهي التي تعبّد الطريق للوصول إلى الخالق. وكون المودة المطلوبة بمستوى الرسالة دليل على وجوب الطاعة. وعلى هذا الأساس إن الآية تعني استمرار الرسالة بعد النبي صلى الله عليه وآله بواسطة الأئمة عليهم السلام الذي هم جميعاً قرابته ومن عائلته. ولأن المودة أساس هذا الارتباط أشارت لها الآية بصراحة.
والذي نبحثه في هذا الدرس كيف نتمسك بخط أهل البيت عليهم السلام ونتبعهم اتباعاً حقيقياً صادقاً. ونكتب من الدعاة لهم والسائرين على نهجهم والمسلّمين لأمرهم. هذا ما نجيب عنه عبر تعداد الوظائف والواجبات التي توصلنا إلى المقصود. مع معرفتنا لما ورد في الحديث: [رضا الله رضانا أهل البيت].
ب. هكذا أتبعهم:
أولاً: معرفة الأئمة عليهم السلام:
أعرفهم لا بأسمائهم وأنسابهم فقط وزمان الولادة ومكان الشهادة. بل بمعرفة مقاماتهم ومراتبهم التي رتبهم الله فيها وسيرتهم لنقتدي بهم يقول الإمام الصادق عليه السلام: [وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي صلى الله عليه وآله (إلا درجة النبوة) ووارثه وإن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله] وأما مع عدم معرفتهم كذلك. ينتفي الإيمان في الحديث: [لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه ويردّ إليه ويسلّم له].
ثانياً: الثبات على الولاية:
ورد عن الباقر عليه السلام: [يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن ينادي بهم الباري جل جلاله فيقول: عبيدي وإمائي آمنتم بسري وصدّقتم بغيبي فأبشروا بحسن الثواب مني، أي عبيدي وإمائي حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء لولاكم لأنزلت عليهم عذابي].
ثالثاً: الالتزام بالأحكام الشرعية:
فيما جاء عن الصادق عليه السلام: [شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكون أموالهم ويحجون البيت ويجتنبون كل محرم].
رابعاً: البراءة من أعدائهم:
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: [يا علي والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية لو أن عبداً عبد الله ألف عام ما قبل ذلك منه إلا بولايتك وولاية الأئمة من ولدك وإن ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك، بذلك أخبرني جبرائيل فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر].
خامساً: ذكر فضائلهم:
وهو من الأمور التي ينبغي أن لا يتوانى الواحد منا عن القيام بها في أي مجتمع كان سواء بين أقاربه وجيرانه أو في الجامعة أو المدرسة أو في مكان العمل أو في السيارة. وذكر فضلهم مما يبعد الشيطان عن الإنسان يقول مولانا الكاظم عليه السلام: [ وإن المؤمنين يلتقيان فيذكران الله ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدّد حتى أن روحه تستغيث من شدة ما يجد من الألم].
سادساً: طلب العلم:
إن طلب العلم من الأمور اللازمة على أتباع أهل البيت عليهم السلام في كل زمان ومكان والتعلم أمر لا بد منه في موالاتهم والسير في ركبهم فقد ورد عنهم عليهم السلام: [يغدو الناس على ثلاثة أصناف: عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غُثاء]، والعمل بدون علم سبب للإفساد والضياع فعن الصادق عليه السلام: [من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح].
وهم صلوات الله عليهم معادن العلم وأصول الحكم يقول الباقر عليه السلام: [شرِّقا وغرِّبا لن تجدا علماً صحيحاً إلا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت].
سابعاً: قبول أحاديثهم:
إن الأحاديث التي يرويها الثقات عن أهل البيت عليهم السلام هي حجج شرعية لا يجوز رفضها وردّها ومن يردّها فإنما يردّ عليهم عليهم السلام، والراد عليهم رادٌ على الله تعالى ومن وصايا مولانا صاحب الزمان عليه السلام عدم التشكيك بهذه الأحاديث فضلاً عن عدم الردّ، جاء في توقيعه: [لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤديه عنا ثقاتنا].
ثامناً: طاعة الولي الفقيه:
وهي من الأمور الثابتة والمهم فيها هو الاجتماع تحت رايته حيث أرادنا أهل البيت عليهم السلام مجتمعين غير متفرقين متحابين متباذلين كأفضل ما يكون عليه الأخوان في الله تعالى، ملتزمين بأوامر الولي الفقيه، مسلّمين له ليأخذ بأيدينا في غيبة مولانا صاحب الزمان عليه السلام كي لا تتفرق بنا السبل، فمن ردّ عليه ردّ عليهم عليهم السلام وحينئذٍ كيف يكون تابعاً لهم؟! ومن تمرّد علىمن أوجبوا طاعته والتسليم لأمره ونهيه كيف يرضون عنه؟! ويعتبر عامل التوحد والاجتماع على طاعة الولي الفقيه من أهم الأسباب والشروط لظهور إمام الزمان عليه السلام كما صرّح بذلك قائلاً: [لو أن أشياعنا وفقهم الله بطاعته على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة].
هذه جملة من الأمور التي علينا مراعاتها والالتزام بها حين نريد اتباع أهل البيت عليهم السلام اتباعاً حقيقياً يرضيهم عنا ويجعلنا من المتمسكين بولايتهم وهناك أمور أخرى تتفرع مما ذكرناه تأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى.
مهدي
2256قراءة
2016-01-20 17:58:26