12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المقالات التربوية >> قرن العبادات بالبرامج التربوية


قرن العبادات بالبرامج التربوية

بسم الله الرحمن الرحيم

سنبحث باختصار عن عوامل التربية وكسب الأخلاق الصحيحة من وجهة نظر الإسلام.

وأول هذه العوامل التي أهتم بها الدين الإسلامي، التعقل والتفكر والتعلم، وهنا ذكرناه تحت عنوان (الغايات والأهداف) التعقل والتفكر من أجل الإنارة، أي ما له حكم المصباح بالنسبة إلى الإنسان.

العامل الثاني: الذي أكده الإسلام كثيراً هو التقوى وتزكية النفس، وقد صرح بذلك في القرآن الكريم نفسه، إن التقوى والتزكية تستوجب تنمية إرادة الإنسان وتجعل الإرادة مستعدة للعمل، أي أن الإستثارة وحدها غير كافية، ما لم تحصل الإنارة والقدرة على العمل، إن التقوى والتزكية تمد إرادة الإنسان الخلقية بالقدرة على العمل، وهي قد توجد أيضاً بشكل محدود في العقائد غير المذهبية، إلا أنها ليست بالشكل الموجود في العقائد المذهبية.

العامل الثالث: والذي عقدنا البحث له بشكل رئيس، هو مسألة العبادة بعنوان أنها عامل للتربية وكسب الأخلاق الفاضلة، فكما أن التفكر والتعقل كان لأجل استنارة الفكر في القوة العاقلة، والتقوى والتزكية كانت لأجل تقوية إرادة الإنسان، أي كما أن الإيمان منشأ، للعبادة، فالعبادة أيضاً تقوي الإيمان، وقد صرح بهذه الفكرة كثيراً في النصوص الإسلامية، أي التأثير المتبادل بين الإيمان والعمل، فالإيمان يكون مدعاة للعمل، والعمل الذي ينبعث من الإيمان يكون منشأ لتقوية الإيمان.


روح العبادة

قلنا مراراً: ان روح العبادة هي التذكر، أي ذكر الله والخروج من الغفلة عنه، قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾،وفي آية أخرى:﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾2. إن العبادة من أجل التذكير، قد أوصي بها كثيراً في الإسلام بما هي فريضة ونافلة، وقد حارب الإسلام ما يسبب الغفلة ويقضي على روح العبادة، أي التذكر، ومنع عنه بشكل (إما مكروه وإما حرام) كالإفراط في الأكل أو التكلم ومعاشرة الناس أو النوم، وقد يرجع بعض هذه الأمور، كالأمر بعدم الإكثار من الأكل إلى علل صحية أيضاً، أي أن المراد منه هو الحفاظ على الصحة ولكن الصحة ليست مراده وحدها قطعاً.


شكل العبادة والبرامج التربوية

مع أن روح العبادة هي إرتباط العبد بربه وكسر حاجز الغفلة، والالتفات إلى الله، إلا أن النكتة الملفتة للنظر هي أن الإسلام قد أعطى شكلاً للعبادة، أولاه أهمية كبيرة، وقد أدخل في هذا الشكل أيضاً مجموعة من البرامج التربوية على هيئة العبادة، مثلاً أنه عندما يراد لقلب الإنسان أن يكون ملتفتاً إلى الله، فما الفرق في كون الجسد طاهراً أم لا؟ إن الله ينظر إلى قلوبكم ولا ينظر إلى صوركم. نحن لا نريد الذهاب إلى ربنا بأبداننا، بل نريد الذهاب إليه بقلوبنا، فلابد أن يكون قلبنا طاهراً، إلا أن الإسلام عندما يشرع العبادة بما أنه يريد أن يكون للعبادة على الخصوص أثر خاص من وجهة نظر تربوية، فإنه يأمر أيضاً بالشيء الذي لا يرتبط كثيراً بالعبادة إلا أنه يؤثر في التربية والتعليم، ويصبه في قالب العبادة واجبة أو مستحبة ويجعله في ضمنها، كمسألة الغسل والوضوء والكون على طهارة دائماً وهي احدى السنن الإسلامية. يقول الإسلام:عندما تقف للصلاة لابد أن يكون جسمك وثوبك طاهرين، إنه برنامج تربوي ضمن العبادة.


العبادة والحقوق الإجتماعية


المسألة الأخرى هي مسألة الحقوق، بحسب روح العبادة لا يختلف الأمر بين أن يجلس على سجادة مغصوبة أو مباحة، فإن كون هذه سجادتي وتلك سجادتك، وأن لا تتصرف في ملكي وأن لا أتصرف في ملكك، يقع ضمن العقود المفيدة في الحياة الاجتماعية، وإلا فكون هذه سجادتي لا يجعل لها كيفية واقعية ولو كانت لك لكانت بكيفية واقعية أخرى، إن مسألة أمر واقعي، هو الحالة والعلقة الروحية المنعقدة بين الإنسان وربه، ومثل تلك الأمور لا يمكنها أن تؤثر في العبادة، نعم بعض الأمور تؤثر فمثلاً إذا أصيب الإنسان ببعض العوارض الروحية والجسدية، فإن العبادة سوف تتلاشى، وهذه العوارض ستمنع من حضور القلب، إلا أن الأمور المذكورة ليس لها مثل هذا الأثر، ومع ذلك يقول الإسلام: يجب في المكان الذي يصلى فيه والماء الذي يتوضأ به وحتى ذلك الوعاء الذي فيه ماء الوضوء والثوب الذي يصلي فيه وكل ما له ربط بعملك هذا يجب أن يكون مباحاً، أي غير محرم، وحتى لو كان في ثيابك خيط واحد مغصوباً فإن عبادتك غير مقبولة، هذه أيضاً اطروحة لبرنامج تربوي يتعلق بالحقوق الاجتماعية في إطار العبادة، إذ لو لم يجعل هذا شرطاً في العبادة فسوف لا تتأثر العبادة من جهة كونها عبادة.


الصلاة واستقبال القبلة


المسألة الأخرى وفيها نمثل بالصلاة أيضاً هي أن الإسلام يقول: عندما تصلي توجه إلى القبلة، مع أن الإسلام نفسه يصرح بأنه بالنظر إلى واقع العبادة لا يختلف الأمر في الجهة التي تتجه نحوها ﴿ وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾3، أي ليس الأمر هو أننا إذا توجهنا نحو الكعبة فقد واجهنا الله، وإذا اتجهنا باتجاه معاكس فسوف لا نواجه الله، ولكن مع ذلك نجد الإسلام من أجل مصلحة تربوية اجتماعية لا تتوقف عليها روح العبادة يقول: بدل أن تتوجه إلى جميع الجهات في الصلاة التي تصليها يتعين عليك ان تصلي إلى جهة واحدة، ليفهم الناس أنه ينبغي عليهم أن تكون لهم جهة واحدة في معاملاتهم، أي أنه درس تربوي في الوحدة والإتحاد، والكون على جهة واحدة متساوية عند الله إلا أنه يقول أيضاً:﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين*فيه آيات بينات مقام إبراهيم﴾4. إن هذا الإختيار نفسه يعد احتراماً للعبادة، وتأكيداً لأهميتها، بحيث ان أول نقطة في العالم اتخذت للعبادة، يجب الآن أيضاً أن يكون هو موضع إتجاه الناس في عبادتهم.

 

في كتابنا (الخدمات المتبادلة بين إيران والإسلام) ذكرنا مسألة تقديس النار عند الزرادشتيين منذ قديم الزمان يعني قبل ألف سنة في مجلس المباحثة تلك التي كانت تنعقد وخاصة في عصر المأمون وبعده وعندما كان المسلمون يعترضون على الزرادشتيين بسبب عبادتهم للنار، كانوا يقومون بتوجيه عملهم، وأحياناً يقولون: لو كنا عبدة النار لكنتم أيضاً عبدة التراب لأنكم تقفون إلى الكعبة، ويقولون أحياناً: إننا لسنا عبدة نار كما انكم لستم عبدة تراب، فنحن نقف باتجاه النار لا لكي نعبدها، إن هذا الكلام غير صحيح بصورة كلية، فإن الشعور الذي يكون لدى المسلم تجاه الكعبة والإحساس الذي يكون لدى الزرادشتيين تجاه النار كلاهما ناشئ من التعاليم التي جاءت بها النصوص الدينية، وهي تختلف اختلافاً كبيراً، ان الفرد المسلم عندما يتجه إلى الكعبة لا يشعر أبداً أنه يقدس الكعبة، بل لا يتطرق حتى إلى ذهن الطفل عند الركوع والسجود انه يعظم الكعبة، إلا أن كل عابد للنار إنما يعبدها بأي نحو كانت عبادته، سواء على أنها مظهر لله أو أي عنوان آخر، انهم لا يرون النار خالقة، فحتى الوثنيين لا يرون أصنامهم خالقة إلا أنهم يقدسونها، وعابد النار يقدسها أيضاً.


على كل حال إن الأمر بتوجه الجميع في الصلاة على جهة واحدة يعد نوعاً من اعطاء المضمون للعبادة، ان روح العبادة أمر مجرد بحيث لو أن الإنسان اختلى في زاوية يذكر فيها الله سوف تحصل له تلك الروح، ولكن الإسلام لا يرتضي هذه العبادة، هذا مضافاً إلى أن الإشكال المختلفة من الركوع والسجود لها تأثير بلحاظ ذلك التذكر، أي أن كل حالة تمثل خضوعاً وخشوعاً في حضرة الباري تعالى. أراد الإسلام أن يجعل هذه الروح في ثوب سلسلة من الأمور التربوية الأخرى التي يراها ضرورية للحياة.


التدريب على ضبط النفس


من أبرز الخصائص التي أولاها الإسلام أهمية في مجال العبادات مسألة التدريب على ضبط النفس عند أداء العبادة، إن الصلاة حقاً عبادة جامعة وعجيبة، وهذه الخصوصية موجودة أيضاً في الحج، ولكن بنحو آخر، فعندما يحرم الإنسان للحج يقوم بضبط نفسه ومنعها من ممارسة بعض الأمور ونجد الأمر نفسه في الصيام أيضاً.
طيلة مدة الصلاة يجب الإمتناع عن الأكل ولو حتى ذرة من السكر وقد ضمت الصلاة في نفسها الكثير من الاُصول الإسلامية التربوية، فيمنع فيها الأكل والشرب، ويفسدها الضحك والبكاء لغير الله، إذ في حال الصلاة يجب على الإنسان التغلب على رغباته من قبيل الأكل والنوم، وأن يسيطر على أحاسيسه من قبيل الضحك والبكاء، وكذلك يبطل الصلاة التمايل إلى اليسار أو اليمين، فهذه مظاهر من الإنضباط الجسدي والروحي.


التدريب على ضبط الوقت


المسألة الأخرى في الصلاة التي أوليت أهمية هي الدقة في مسألة الوقت بحيث يحسب حساباً دقيقاً حتى للدقيقة والثانية، ويلاحظ أن هذا الأمر لا يؤثر في روح العبادة وعلاقة الإنسان بربه، بحيث لو أننا شرعنا في الصلاة قبل الزوال بدقيقة لا تحصل تلك الحالة من التقرب إلى الله، ولكن ما إن يدخل الزوال تحصل تلك الحالة، ليس الأمر كذلك، إلا أن الإسلام اشترط ضبط الوقت، ولم يرد أن يكون هناك هرج ومرج بالنسبة لوقت أداء العبادات، فلو التفت المصلي إلى أن صلاته لم تكن داخل الوقت أو كان جزء منها خارجه، فإن صلاته تكون باطلة ولكن لو اشتبه المكلف، ولم يكن عامداً فصلى قبل الوقت، ووقعت ركعة من صلاته في الوقت، فإن صلاته تكون صحيحة.


(يتبع)

برامج
1446قراءة
2015-11-09 19:39:29

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا