توظيف المبادىء التربوية للثورة الحسينية الخالدة في تربية الأطفال
--------------------------------------------------------------------------------
توظيف المبادىء التربوية للثورة الحسينية الخالدة في تربية الأطفال
مذ كنا صغارا نعيش شهر محرم الحرام وعشرين يوما من شهر صفر بنشاط مستمر وحافل يتواصل فيه الليل بالنهار، نحفل بذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين (ع)، نلبس السواد تقليدا ورثناه ابا عن جد، تطرز ثيابنا شعارات حسينية جميلة المضمون، عميقة المعنى، نتفاخر بها امام اقراننا والناس جميعا - ياحسين - يامظلوم كربلاء - وغيرها كثير. علائم الحزن تطغى علىالمشاركة الجماعية، فأنت جزء من هذا المجتمع، حتى لو كنت لا تبالي بالأمر، لابد لك ان تساهم بهذا الحزن الجماعي باي اسلوب أو طريقة، أصوات التسجيلات القرآنية و الحسينية تصدح في كل مكان، في المساجد والحسينيات، والبيوت، والطرقات، والمقاهي، وحتى في سيارات نقل الركاب، كل شيء يوحي لك بعظمة الواقعة والمأساة، ترى الواقعة، وتسمع ضجيج وقعها وكأنها بين يديك، وكأنها وقعت امس وليس قبل الف واربعمائة سنة!
الذكرى تأتي كل عام بطقوسها وعاداتها واجتماع الناس فيها، إنها ذكرى مصاب الحسين، العزاء في كل مكان، العواطف مشحونة، لاتجد لها منفذا الا بالدموع، القصة الملحمية التي تناقلتها الكتب والروايات المكتوبة عن واقعة كربلاء حفظت عن ظهر غيب، من خروج الحسين (ع) الى مصرعه الشريف على ارض كربلاء، وما تلاها من احداث جسام مرت على ال البيت واستمرت طوال حكم الامويين والعباسيين، وأصبحت جزءا من لاشعورنا الجماعي كما يقال في علم النفس، فأثرت كثيرا في سلوكنا الاجتماعي، كما أصبحت ممارسة طقوس العزاء جزءا من طقوسنا التي نعبر فيها عن حبنا ووفائنا وتشبثنا بال البيت.
لقد كانت الثورة الحسينية عام 61 هجرية حادثة غير عادية بكل المقاييس، غيرت مجرى التاريخ الاسلامي فيما بعدها، فأضافت بعدا جديدا هو رفض الطاغوت والتكبر، والاستكانة والتسليم للطغاة بحجة طاعة ولي الأمر، فكانت بحق نقطة التغيير الكبرى في رفض الخروج عن الاسلام الحقيقي بكل محتوياته، واستغلال الدين من الحكام للتحكم بمصير العباد والبلاد. فأرست تلك الثورة قواعد العمل الثوري الاسلامي على الرغم من التضحيات الجسام والدماء الشريفة التي سالت مدرارا لتسقي نهر الايمان بالعقيدة والحرية، ورفض العبودية للطواغيت كما فعلها كثير من الذين عاصروا هذا العهد، فاستكانوا، وهادنوا، وتنعموا برغد العيش، وارتضوا لأنفسهم الذلة والخنوع، والدنانير والدراهم مقابل بيع الذمم والضمائر والأقلام. فلم يكن الحسين و اصحابه من هولاء الذين يرتضون لذة العيش مقابل السكوت عن الباطل، ويبيعوا عقيدتهم ومبادئهم، وهو الذي تربى وترعرع صغيرا في حجر جده رسول الله، ورضع حليب أمه سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)، وعاش طفولته وجزءا من شبابه برعاية أبيه أمير المؤمين على (ع)، فمثل هكذا رجل نشأ هذه النشئة، وتربى هذه التربية لايبيع مبادءه وعقيدته التي رضعها في طفولته وترجمها الى فعل كبير في شبابه ليزيد وأمثاله، فكان لابد من المواجهة بين رجال المبادىء والعقيدة الحسين واصحابه، ورجال الدنيا ولذائذها يزيد واصحابه، وقد كانت علائم هذه المواجهة قادمة لا محالة. فخرج الحسين (ع) على فساد الوضع ورفضه، ورفض أن يهادنه أو يخطو في طريقه الضال كما فعل كثير ممّن ارتضوا لذائذ العيش، فباعوا ضمائرهم ومبادئهم للطاغية الفاسد مع علمهم بفساده، وعدم صلاحيته لقيادة المسلمين هو وابيه من قبله، لكنهم اثروا السلامة ومجالسة النساء والعيال، وأنّا يكون مثل هذا الحال للحسين (ع) صاحب المبادىء و العقيدة الخالدة.
تناول عديد من الباحثين والدارسين للثورة الحسينية دراسة وتحليل المأساة التي حدثت في كربلاء عام 61 هجرية، وحاول كثير من رجال الدين والتربويين ان ينقلوا للاجيال القادمة مباديء تربوية، يمكن توظيفها توظيفا علميا في تربية تلك الاجيال على القيم الدينية المثلى، التي عكسها سلوك الحسين واصحابه في تلك الواقعة التاريخية الشهيرة، لكنها كانت في معظمها غير مكيفة كمناهج لتربية الأطفال، ومحدودة في اهدافها العامة، فهل من وسيلة أو طريقة يمكن من خلالها ان نوظف هذه الواقعة التاريخية توظيفا تربويا مقصودا، وباسلوب علمي سلس يناسب الأطفال من ذوي الاعمار الصغيرة، والتي قد تصل الى تحت سن 5 سنوات؟ وهل يمكن لنا ان نجعل الهدف التربوي العام من نقلها الى الاجيال القادمة نبراسا وهديا يضي السبل لهم ولايقتصر على رواية الحادثة التاريخية بجميع مفاصلها؟ وهل يمكن لنا ان نجعل من طرائق التعلم التي نروم ان نستخدمها معهم طرائقا علمية وتربوية شيقة ومفيدة، ويكون مردودها المستقبلي كبيرا ونافعا عندما يبلغوا مبالغ الكبار؟
إنّ الإجابة على هذه التساؤلات العديدة هو نعم، بالإمكان نقل المبادئ التربوية في ثورة الحسين الخالدة للاطفال بالشّكل التربوي المخطط له عن طريق عدة اساليب تربوية منها: القصص التي تحاكي مدركات الأطفال، وفي كل مرحلة عمرية ما يناسبها من اسلوب قصصي، لان المبادئ في هذه الثورة هي مفاهيم مجردة تحتاج الى ترجمة هذه المفاهيم الى مفاهيم محسوسة، وهو ما اشارت اليه عدة نظريات معرفية في علم النفس، اشهرها نظرية بياجيه، فمفاهيم مثل الصبر والتضحية والاخلاص والايمان والصدق والايثار والمسؤولية والثقة بالنفس والحق والباطل.. الخ من مفاهيم تجسدت في هذه الواقعة التاريخية، جميعها مفاهيم لايمكن ان يدرك معناها الطفل الا عن طريق ترجمتها الى محسوسات تناسب مرحلته العمرية، وخير ترجمة لها كما اشارت عديد من الدراسات في هذا المجال هو عن طريق القصص التربوية، وهذا الأسلوب التربوي مستخدم في عديد من الاهداف التربوية مثل تعليم قصص القرآن الكريم للأطفال.
الأسلوب التربوي الثاني الذي يمكن توظيفه في تحقيق الهدف التربوي هو التمثيل المسرحي، وهو من الاساليب المتبعة في احياء ذكرى استشهاد الحسين (ع) وال البيت واصحابه الابطال عند الكبار بما يطلق عليه (التشابيه)، يمكن عمل نفس العرض المسرحي ولكن للاطفال - اي الذين يقومون بالادوار في هذا التمثيل هم من الأطفال - ويقتصر دور الكبار من معلمين أو تربويين على كتابة النصوص المسرحية متضمنة هذه المبادئ التربوية التي ذكرناها سابقا، بلغة يسيرة وسهلة تحاكي عالم الأطفال، وتوزيع الأدوار على الأطفال بما يناسبهم، وإعداد المكان المناسب للتمثيل. أما الأسلوب التربوي الثالث فهو عن طريق الرسوم - اي الطلب من التلاميذ أو الأطفال رسم المبادئ التربوية التي تجسدت في تلك الثورة الخالدة، لا يهم الفروق الفردية بين الأطفال في قدرة الرسم، فهذا أمر متوقع أن تكون قدرة بعض الأطفال على الرسم افضل من أقرانهم، وإنما الأمر المهم هو قدرة الطفل على التعبير عن طريق الرسم عن المبدء التربوي في هذه الثورة.
أن الغاية الأسمى من اتباع هذه الاساليب التربوية في تعليم الأطفال واقعة كربلاء بما تحويه من مواقف بطولية للحسين وأصحابه، مقابل مواقف سيئة وجبانة ليزيد واصحابه ينصب في هدفين فرعيين هما: نقل الحادثة التاريخية بتفاصيلها للاطفال باسلوب علمي وتربوي مبرمج بعيدا عن الشطحات التاريخية والمبالغات، التي قد تفضي الى نتائج مستقبليةعكس النتائج التي نسعى اليها كوننا تربويين، والهدف الثاني تحقيق عنصر التشويق واثارة الدافعية لدى التلاميذ والأطفال لتعلم الحادثة وهي جزء من التاريخ الاسلامي الذي على المسلمين ان يحرصوا على تعليمه للاجيال القادمة بطريقة منهجية أو غير منهجية، وبالتالي فإننا إذا استطعنا أن نحقق الهدفين الفرعيين عن طريق الممارسات التربوية التي ذكرناها، نكون قد ساهمنا مساهمة فعالة في العملية التربوية وهو هدف رئيس لجميع العاملين في هذه العملية بغض النظر عن انتمائهم القومي أو الديني أو المذهبي، بل هو جزء من العمل التربوي المهني للعاملين في هذا الميدان الحساس والمهم في كل زمان ومكان.
د. غالب رشيد الأسدي 10/05/2005
مهدي
1399قراءة
2016-01-01 13:55:35