12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المقالات التربوية >> البعد التربوي للحج

البعد التربوي للحج

يمثّل الحج ركناً أساسياً من أركان النهوض بالشخصية المسلمة بما تتركه من آثار في النفس الإنسانية، وبالمجتمع الإسلامي بما تمليه من قواعد تنظيمية وتكافلية... فمعرفتها بالصورة المقنعة المتوازنة بين الطرح المتكرّر والمفرط لشكلياتها... وبين الجانب الغائب ما وراء هذه الشكليات جدير بأن يعزّز المسير في اتجاه الوعي الإسلامي النهضوي المتوازن والمتكامل.

 

الحجّ ثورة على العادة

الحجّ ثورة موظّفة لمعنى يتجلّى من وراء تقنينها بالسلوكيات والشكليات والرمزيات... ثورة ضد التقليد الذي يسير عليه الإنسان بجميع أشكاله ليعيش نمطاً جديداً من الحياة في أيام، فحمل من إيحاءاتها ما يثقل وزنه في سلوكه ووجدانه...

 

فاللحظة الأولى فيه لحظة تخليه الواعي المنهج عن اللباس والطيب وأسباب الزينة وملذّات الدنيا... وليس رداءً وإزاراً أبيضين غير مخيطين يمثِّلان الاستسلام لله طواعية قبل الاستسلام له كراهية عند الموت في لباس شبيه... إقبال على الله بفتح صفحة جديدة من العمل محفوفة بالأمل الذي لا يلغي من حسبانه ساعة الموت، الذي هو صفحة جديدة أيضاً ولكن من حساب قديم...


إنّ الحج «حركة شمولية ذات أبعاد تربوية حقيقية استعملت فيها أساليب الحسبة والتجريدية والممارسات التجريبية بكل ما تعني من عمق في قدرة الحج على التغيير بطريقة تخلو من كلّ السلبيات في العملية التربوية على العموم... فالحج فريضة متعدّدة الجوانب والاُطر: اجتماعية، تربوية، سياسية، علمية، عقلية، وجدانية، بدنية، فنية....

 

الحج ترسيخ لقيم التواضع والمساواة

إنّ الحجّ تدريب عملي للمسلم على المبادئ الإنسانية العليا التي جاء بها الإسلام، فقد أراد دين الله أن لا تكون تعاليمه ومبادئه مجرّد شعارات أو نداءات، بل ربطها بعبادته وشعائره ربطاً وثيقاً، حتى تكون سلوكاً تطبيقياً في حياة المسلم وفي علاقته مع الآخرين.

 

فمن خلال الإحرام -مثلاً- الذي هو ركن من أركان الحجّ - وحيث تشمل الجميع صحوة للنفس البشرية التي قد يستولي عليها الكبرياء والخيلاء في بعض الأحيان، وتجمع بها الشهوات، أن تفكر وهي محرمة في أصلها وتدرك أنه لا يُفضّل أحدٌ أحداً إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.

 

إنّ المسلم هناك وعندما يتجرّد عن الثوب الأنيق بل الثوب المخيط ويحرم عليه أن يمسّ الطيب... ويرى نفسه في لباس يساوي أقلّ الناس مالاً وجاهاً، هناك يتلقّى درساً في المساواة لا تبلغه أقوى العبارات وأعظم الدروس.

 

الحجّ ترسيخ للوحدة الإنسانية

إنّ الحجّ ليس مجرّد فريضة تهذّب النفس وتعصم السلوك بل هو أيضاً عنوان للاُخوّة الإنسانية العامة... إنّ الإسلام بتعاليمه لا يدع الفرد ينطوي على أنانية مُفرِّقة... بل تطبعه بشرائعه وآدابه على الإيثار والحبّ...

 

فأرض الحج هي البلد الحرام، والبيت الحرم ﴿مَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ (آل عمران/97).. أمانٌ وسلام فريد في نوعه، يشمل الطير والصيد والنبات فضلاً عن الإنسان، وان المسلم حين يُحرم بالحجّ يظلّ فترة إحرامه في سلام حقيقي مع من حوله، فلا يجوز له أن يقطع نباتاً أو يقلع شجرة، كما لا يجوز أن يذبح حيواناً صاده غيره له أو يرمي هو صيداً في الحرم أو خارجه.

 

إنّ انفتاح الحالة الإسلامية الفتية على فضاء البشرية التوحيدية، فتح لها آفاق حركة شاملة في مواجهة ظلم الآخرين... وغفلة الذات، وذلك عبر ما أحيته من قيم ومعايير غطّت جوانب أساسية من شبكة العلاقات الناظمة والموجّهة لسلوك المسلمين. لكن ذلك وضعها مباشرةً في مواجهة التيارات الفكرية والسياسية المناهضة لتطلّعات المجتمع الإسلامي ولقضاياه العادلة.

 

وإذا كانت الحالة الإسلامية قد تمكّنت من فرض نفسها كتيّار جديد ومجدّد ومكتمل البنيان في مواجهة تيارات العجز والقصور التي تقودها نظم التبعية والانحطاط، فإن واقع المواجهة وما ينطوي عليه من مشاكل شتّى سيشكّل عنواناً لمرحلة طويلة قادمة.

برامج
1215قراءة
2016-01-09 19:03:06

تعليقات الزوار


تنمية مجتمع