الثّواب والعقاب
تمهيد
الثواب والعقاب نظامان موجودان في الحياة. والله سبحانه وتعالى، من أجل تربية البشر، شرّع الثواب والعقاب، فجعل الجنّة ثوابًا للمؤمن المطيع، وجعل النار عقابًا للكافر العاصي.
يذكر العلماء في فلسفة الثواب والعقاب أنّ النفس غايتها الراحة، فكان الترهيب والترغيب من أجل أن لا تقصّر النفس، فإذا شاءت أن تقصّر، فإنّها تخاف العقاب لذلك فهي ستتعب إذا قصّرت، ولن ترتاح.
ففلسفة الثواب والعقاب هي حثّ الإنسان على النموّ، ودفعه عن الخطأ إلى الصواب.
• مبادئ الثواب والعقاب
أوّلاً - بالنسبة للعقاب:
أ- العقاب وسيلةً لا غاية:
لا يجوز استعمال العقاب كغاية، حيث يكون المعلّم منتظرًا
الفرصة حتّى يضرب ويعاقب مع أقلّ خطأ. إذ أنّ الغاية من
العقاب هي مواجهة انحرافات الولد بقصد إصلاحه.
ب- مراعاة الفروقات الفرديّة في العقاب:
وقبل اختيار العقاب يجب دراسة خطورة الذنب وأسبابه، وحالة المذنب وخصائصه النفسيّة والخلقيّة وقدرة احتماله البدنيّة، كي يأتي العقاب ملائمًا ورادعًا ومفيدًا.
ج- مراعاة درجة الخطورة في الذنب:
وهو ما يعبَّر عنه بـ "ملاءمة العقاب لنوعيّة الخطأ"، فكما تجب مراعاة الفروقات بين الأفراد في توقيع العقاب، كذلك يتعيّن مراعاة مستوى الذنب الذي ارتكب في حقّ النظام، فالعقوبة تشتدّ وتلين تبعًا لتقويم خطورة المخالفة.
د- عدم إيقاع العقاب إلّا بعد قيام الحجة:
يقول الله تعالى: "إنّما تُجزون ما كنتم تعملون" ( الصافات / 39)، فالإنسان لا يثاب ولا يعاقب إلّا على ما اقترفته يداه، وثبتت الحجّة البالغة عليه، فلا يجوز للمربّي والمعلّم ممارسة العقاب على الظنّ والشبهة، وعلى هذا الأساس لا يجوز للمعلّم والمربّي ممارسة العقاب إلّا بعد التأكّد من الفاعل، وعدم العقاب الجماعيّ للأولاد إذا لم يُكتشف المخالف.
ه- تنفيذ العقوبة بروحٍ إنسانيّة:
"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" (النساء: 58). فإذا توفّرت شروط العقوبة، يجب أن تمارس في جوٍّ من الرحمة والمساواة، بعيدًا عن الإهانة، وأن يفهم الولد أنّ الهدف من معاقبته هو إصلاحه وتقويمه.
و- التدرّج في العقاب:
والمقصود من التدرّج، أن نلجأ في العقاب إلى الأساليب البسيطة أوّلًا (الموعظة، النصيحة، الغضب، التهديد..)، ثمّ نتدرّج إلى ما هو أقسى وأشدّ (التنبيه، التأنيب، الحرمان، التحدّث مع الأهل بخطورة المشكلة..)، ثمّ إلى الأكثر قسوةً (التجميد، الطرد النهائي..).
ثانيًا- بالنسبة للثواب:
الثواب هو الوجه الآخر للعقاب، ومن الممكن أن تنطبق مبادئ العقاب على الثواب _مع مراعاة بعض الخصوصيّات–، فكلاهما وإن اختلفا في مظهرهما، يهدفان إلى الغاية ذاتها وهي إصلاح الولد.
ثالثًا- موقف تربوي من الثواب والعقاب:
ترفض التربيّة الحديثة أن يكون هناك عقاب، وأطلقت عليه اسم (علاج) ؛ لأنّ الولد الذي ينتج عنه خطأ، فإمّا لأجل مرضٍ نفسيّ، أو لعدم معرفة مستوى الخطأ؛ لأنّ العقاب يزرع في نفس الولد الخوف والاستسلام، والثوابُ يغرس في نفسه روح الكسب وحبّ الرشوة.
على ضوء هذا، على المعلّم تربية الولد على حبّ العلم، والتزام الأخلاق، فيتعلّم ليصبح عالمًا، ويتحلّى بالأخلاق ليغدو صالحًا.
(وإنّ قومًا عبدوا الله شكرًا فتلك عبادة الأحرار).
رابعًا– أساليب وأنواع العقاب:
حينما يُقال كلمة "عقاب" أوّل ما يتبادر إلى الذهن الضرب الجسديّ، من جلدٍ ولطمٍ وجرحٍ وتركيع.. وهذا أسلوبٌ نادت به المدرسة التقليديّة ومارسته بقسوةٍ وعنف.
ولكنّ المواقف التربويّة الحديثة تطمح إلى إسقاط مبدأ العقاب من قاموس المدارس والتربية فكيف بالضرب والإهانة والتشهير.
مجرمٌ كلّ مربٍّ يضرب الولد، أبًا كان أو معلّمًا أو مربيًّا..
زل بجسم الصغير تعدّ انتهاكًا لكرامة الإنسان، وتغرس فيه روح الذلّ والخنوع، أو روح الثورة والإجرام.
لا ضربٌ للطفل، لا تركيعٌ له فالركوع لله وحده، لا إذلالٌ له.. لا تشهيرٌ.. ولا إهانةٌ..
إسمعوا ما يقوله لكم كلٍ والدٍ عن إبنه بلسان الشاعر الهنديّ طاغور:
"أنا لا أحبّه لأنّه عاقلٌ .. بل لأنّه ولدي، وأنت ما أدراك، أيّ حنانٍ يستطيع أن يوحيه، أيّها المدقّق في حساب حسناته وسيّئاته، إذا أبكيته تفطر قلبي"؛ وبكى معه ...( المعلّم والتربية ص 224)
وفي هذا الإطار، يذكر التاريخ أنّ رجلًا شكا إلى الإمام الرضا (عليه السلام) إبنًا له فقال(عليه السلام): "لا تضربه، واهجره، ولا تُطل".
• أنواع العقاب:
أ- هيبة المعلّم وحدها تكفي.
ب- من لعب وقت العمل، يعمل وقت اللعب.
ج- الثناء واللوم في آنٍ واحدٍ (أنت مهذب، كيف تعمل هذا؟؟؟)
د- التنبيه والتأنيب بلغةٍ هادئةٍ ودون استهزاء.
ه- التحذير من العقوبات.
و- الحرمان من الجوائز أو سحبها.
ح- الطرد الدائم إذا شكّل بقاء التلميذ خطرًا على السلوك العام.
خامسًا- آداب العقاب:
أ- الاقتصاد في فرض العقوبات: حتى يكون لها وقعها المؤثّر على المذنب ومن حوله.
ب- أن يكون العقاب بدافع الإصلاح.
ج- عدم المعاقبة الجماعيّة.
د- اطلاع الأهل على سبب العقوبات.
سادسًا- الثواب في التربية:
كما نعاقب الولد السيّئ الذي يؤذي نفسه والآخرين، يجب أن نكافئ الولد الصالح الذي يحترم النظام بهدف تشجيعه، وتعزيز استقامته. ومن فوائد الثواب أنّه يشجّع على تكرار وتعزيز السلوك الهادف في التعلّم، ويعزّز ثقة الفرد بنفسه، وينمّي ميوله نحو المواد التي أثيب عليها.
سابعًا- أنواع الثواب:
ويطلق عليها اسم الحوافز، وهي على نوعين:
أ- حوافز ماديّة: ومنها الألعاب، الأوسمة، الصور، الكتب، والجوائز.. وهي تثير الحماس والرغبة، وتترك في النفوس الذكريات الطيّبة.
ب- حوافز معنويّة: ومنها المديح، التنويه، التشجيع، العلامات الجيدة، الدرجات العالية، رفع العلامات على لوحة الشرف...
ثامنًا- آداب الثواب:
أ-في إطار توزيع الحوافز:
• لا تمنح فقط المتفوّقين الأذكياء، بل الذي يتقدّم تقدّمًا ملموسًا.
• لا تمنح المجتهدين فقط، بل الذي يكسب أخلاقًا حسنةً أيضًا.
• لا تبالغ في نثر المكافآت (الحوافز) حتى لا يُستهان بها.
• لا تمنح الحوافز إلّا للمستحقّين.
••• كلمةٌ أخيرة:
إنّ قضيّة النظام هي قضيّة حكم، والمعلّم القدير كالحاكم القدير، ليس بحاجةٍ إلى التهويل بعقاب، أو التلويح بثواب، لأنّه يقظٌ، دائم الحذر والسهر..
أمانة برامج الجوالة والكشافة
1326قراءة
2021-12-23 12:58:24