أصدقاء الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي حكرًا على فئةٍ معيّنة، بل باتت متاحةً أمام مختلف الأعمار من المستخدمين من الآباء والأجداد والأحفاد. لم يعد يتطلّب استخدامها علمًا أو شهادة، فمع ثورة الهواتف الذكيّة تصالح الجميع مع التكنولوجيا وأرادوا خوض التجربة الافتراضيّة، لكن لكلٍّ منهم أهدافه وغاياته.
لديّ حسابٌ على منصّة فايسبوك، صحيحٌ أنني لست "ناشطة" وجلُّ ما أقوم به هو الإعجاب والمشاركة بالإضافة إلى تبادل التهاني أو التعازي مع الأصدقاء في التعليقات، لكنّني حاضرةٌ في هذا العالم. مع مرور الأيّام، لاحظت انغماس ابنتي مليكة، 17 سنة، أكثر فأكثر في الفايسبوك وإمضاءها وقتًا طويلًا في تصفّحه ولم يكن هذا الأمر يروق لي.
حتّى في أحد المرّات كنّا نتحدّث عن الفايسبوك فقالت لي: "ماما أنتِ عندك 500 فرند (صديق) عالفايسبوك، أنا عندي 5000" وضحكت. لفتني الأمر وأردت التدخّل سريعًا ولكن بحذر، فالهدف هو توعيتها لتكون قادرةً على إدراك الأمر وتوخّي الحذر. حضّرنا قالبًا من الحلوى وجلسنا على السفرة، بدأتُ الحديث عن رأيي بهذه التطبيقات وأردفتُ قائلةً: "يا مليكة، هذا العالم الذي ندخل إليه عبر هواتفنا هو فضاءٌ غامضٌ وواسع، نحتاجه ويهمّنا ولكن علينا أن نسيّره ولا نسمح له بتسييرنا.
في المدرسة والحي والنادي نختار أصدقاءنا على أساس تربيتهم وأخلاقهم وتصرفّاتهم، فنحن نعايشهم لفترةٍ قبل أن نتّخذهم أصدقاءً لنا، ولكن في العالم الافتراضي فقط ضغطة زرٍّ واحدةٍ تضيف لنا صديقًا جديدًا. لا يجب أن ننعزل عن الناس ولكنّ الأمر يتطلّب بعض الحذر. قبل أن نقبل صداقة أيّ أحد، برأيي علينا أن نحدّد أيّ نوعٍ من الأصدقاء هو وما يربطنا به، هل هو من العائلة أو أحد الأقرباء أو أحد الأصدقاء؟ إن كان نعم، فلا بأس بذلك ولكن بحذرٍ مع الالتفات إلى مسألة الذكور منهم من غير المحارم، وإلى مسألة التزام هؤلاء الأصدقاء دينيًّا حتى لا يظهر لكِ مقاطع من الأغاني وتفاصيل حياتهم اليوميّة التي لا طائل منها. النوع الآخر من الأصدقاء قد يتمثّل بأشخاصٍ لا نعرفهم في حياة الواقع، ولكنّهم ناشطين وناشطات في هذا الفضاء في مجالاتٍ مختلفة، ثقافيّة، دينيّة، اجتماعيّة..
من الجيّد متابعتهم مع التأكّد من أنّهم أهل ثقة ومستمرّون بتقديم محتوًى لائق. أمّا على المقلب الآخر، سمعنا العديد من القصص عن أناسٍ طالتهم مشاكل بسبب أصدقاء على الفايسبوك، من تنمّرٍ وتهديدٍ ومضايقةٍ وابتزازٍ وأذًى نفسيّ.. وبعضهم وقع ضحيّتها ولم يستطع النجاة منها. في هذا الفضاء البعيد عن الواقع هناك أصدقاءٌ قد يكون هدفهم جمع أكبر عددٍ من الأصدقاء والمتابعين والاستفادة من ذلك في نشر الإعلانات والتسويق لصالح أنفسهم أو غيرهم وهذا ما بات يعرف بالbloggers وinfluencers حيث يتقاضون مبالغ من شركة الفايسبوك وتوابعها.
البعض الآخر يسعى للتسلية والمتعة، لا أحصر الأمر بالذكور، بل بالإناث أيضًا، يستخدمون أساليب ماكرةً في بناء قاعدةٍ من الثقة والمحبّة مع الأصدقاء ورويدًا رويدًا يراسلونهم على الmessenger حتى يصلوا إلى مبتغاهم. الأخطر والأسوأ هم الذين ينتمون إلى شبكاتٍ خطيرةٍ ممكن أن تكون غير أخلاقيّةٍ وممكن أن يكون مشغِّلوها إسرائيليّين وأمريكيّين!
نعم، إنّها الحرب الناعمة، يجنّدون عملاءً ويحصِّلون معلوماتٍ ويخرّبون بيئةً كاملة. كلُّ هذا بسبب طلب صداقة. تعرّض العديد لابتزازٍ أو تهديدٍ أو تنمّرٍ أو سرقة أموالٍ بعد أن وثقوا بصديقٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنّهم بكلّ سهولةٍ يسرقون حسابًا ويُنزلون عليه صور عراةٍ وروابط لمواقعٍ إباحيّة!
أنتِ يا عزيزتي قلبك أبيضٌ طاهرٌ قد تحملين الناس على نوايا طيّبة، بينما هم قد لا يكونون كذلك، وكما يقول المثل "لا تنامي بين القبور ولا تشوفي منامات وحشة!" كيف أثق بشخصٍ لديه حساب باسمٍ غير حقيقيّ فهذا أوّل بابٍ يثير الشكّ حول هويّته، حتى ولو كان اسم الحساب "عاشقة المهدي (عليه السلام)"! بعدها يمكنك الاستفادة من خاصيّة معرفة الأصدقاء المشتركين بينك وبين هذا الصديق المقترح، وحسب النتيجة تستطيعين تقدير الموقف.
قد يظنُّ البعض أنّ إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يتمثّل فقط بإمضاء ساعاتٍ طويلةٍ في تصفّحها، ولكن قد يكون الإدمان بجمع عددٍ كبيرٍ من الأصدقاء والمتابعين وبناء شبكاتٍ اجتماعيّةٍ من دون وعي، ويعود ذلك إلى الملل والفراغ وعدم تنظيم الوقت وغياب الهدف من استخدام الانترنت..
وختامًا يا ابنتي أريد أن ألفت انتباهكِ إلى مسؤوليّةٍ كبيرة، ألستِ الآن دليلةً وفي طريقك لتكوني قائدةً قدوةً إن شاء الله؟ ألا تجدين أنّ هذا يرتّب عليكِ مسؤوليّةً بتواجدك على هذه المنصّات؟ تذكّري دومًا أنّ عنصرةً كشفيّةً يومًا ما ستتابعك على الفايسبوك وبصفتك قدوتها ستتابع كلّ ما تتابعيه وتقبل صداقة كلِّ صديقٍ لديك".
كتابة القائدة مروة كاظم – مفوضية جبل عامل الأولى
إختبارات القبول في دورة معدة حقائب تدريبية