وسائل لإيقاظ الهمّم
من إعدد المدرّب علي أرسلان
خمسة أيّام من المسير في الجغرافيا القاسية، كانت كفيلة بأن تفرغ جعبة العشرينيّ «هادي» من الطعام والشراب، وتضعف شحنة جهازه اللاسلكيّ كما جسده من طاقته، ليقف وحيداً على بعد ساعات إضافيّة من التسلّل المضني، أمام الخطر المتربّص به، جواً من طائرات القتل والاستطلاع، وبراً من آلاف جنود العدوّ ودباباته وراداراته، وعلى مستوى الذات فقد أنهك وشلّت همّته وقدرته نتيجة انقطاعه عن الغذاء ليومين وبذله جهوداً قياسيّة.
كان ما زال أمامي عبور حقول تملؤها الصعوبات والمخاطر إلى حيث رفاق السلاح بالانتظار مع ما أحمله من عدّة، أما خلفي فخطّ انسحاب آمن... وكلاهما بقراري إذ «لا قائد على عنصر نفسه إلاّ نفسه».
قاطعته: «ماذا فعلت؟» فأكمل: «في تلك اللحظة تحوّلت إلى أمّة حزب الله، قرّرت، تقدّمت، ثمّ وصلت وأوصلت، وقاتلت حتى آخر طلقة ولحظة». لم أفقه قصده بالتحوّل إلى أمّة قبل أن يتابع كلامه: «عندما تكون أنت الفرد وأنت القائد، حينها تتّخذ قرارك بقرارة نفسك، وتسأل ماذا تريد المقاومة؟ أن تتقدّم؟! نعم أشحذ همّتي وأتقدّم، أن تدافع عن الوطن؟! نعم أستجمع دافعيّتي وكل قواي، فأدافع وأقاتل، ولا يهمّني، فأمامي إحدى حسنيين أنشدهما: نصر أو استشهاد...».
* وسائل شحذ الهمم
بالتأكيد أقول إنّ الهمم يمكن شحذها ومضاعفتها وإيقاظها وتجديد فعاليّتها، ويمكن تدريبها وتطويرها وخضرمتها من تجربة لأخرى ومن موقف لآخر، إن أحسنّا التعامل معها وأتقنّا وسائل تفعيلها وتجديدها واستثمارها، وهذا يمكن تحقيقه بعوامل عدة أهمها:
1- الارتباط بالله تعالى فعلاً وردّة فعل، والانطلاق من كونه عزّ وجلّ يحبّ الإنسان الجسور الذي يكرّ على الصعاب فيتخطّاها، ويعزم على السير بالأعمال حتى خواتيمها، كما في دعاء الإمام زين العابدين(ع): «متى فرح من قصدت سواك همّته، ومتى استراح من أرادت غيرك عزيمته!»(1)، ولذلك كان أن «الله يحبّ أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه»(2)، وأن «المؤمن القويّ خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»(3).
2- السير إلى هدف واضح وسامٍ يستحقّ المضيّ إليه، تماماً كما كتب بالأمس القريب أصغر مشارك على متن أسطول الحريّة الشاب التركيّ «فرقان» (19 سنة) قبل ساعة من استشهاده: «أحبّك أمّي وأحبّ فلسطين، سامحيني سأمضي إليها»... أو في موقع آخر من الحياة كتطوير الذات، أو الأسرة والكدّ في سبيلها، أو النهوض بمستوى الأمّة علميّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً وفي كل الميادين لتكون على مستوى التحدّي وكما يحبّها الله أن تكون ومن هنا كانت الدعوة إلى مضاعفة الهمّة... إنّ وجود هدفٍ أكبر منّا يحفّز همّتنا ويجدّد قوّتها ويخلق دوافع جديدة.
3- مجاهدة النفس ومحاسبتها، والإحساس بالمسؤوليّة، فلقد تعرّفت إلى شبابٍ كثر يستخدمون مع أنفسهم الثواب والعقاب، فيمسكون عن الطعام لساعات مثلاً لأنّهم ضيّعوا وقتاً مهمّاً أو أهملوا واجباً كصلاة الصبح أو إحياء الليل أو حتّى لم يدرسوا دروسهم أو لم ينجزوا مهامهم في وظائفهم، وبالتالي يعاقبون أنفسهم لكبح ميلها للتكاسل، وبالمقابل يثيبونها على علوّ الهمّة وإنجاز المراحل والحصول على درجات متقدّمة علميّة أو عمليّة بالترفيه والترويح عن النفس... لقد لفتتني يوماً دراسة عن الغشّ قالوا فيها إنّ سبب الغشّ الأساسيّ هو التكاسل وضعف الهمّة، وبالتالي فإنّ النجاح والتفوّق والارتقاء والمنافسة سببها علوّ الهمّة والنشاط والدافعيّة، وشتّان ما بين هذا وذاك.
4- الشعور بالتحدّي الدائم واللاّاستقرار، وتجديد القرار بشكل يوميّ ودائم بالتطوير الذاتيّ المستمر وعدم الاقتناع بالاكتفاء بل التعطّش للمعرفة والاستطلاع، خصوصاً في ظلّ ما يسمّى بالانفجار المعلوماتي الذي يضخّ في لحظة واحدة آلافاً من المعلومات الجديدة، والتي إن لم نواكبها ستعاملنا كمقصّرين ونعاملها كأمّيين، وليس هكذا تنافس المتنافسين ولا هكذا نجازي أمّتنا التي تحتاج منّا إلى مضاعفة الهمم!
* من أراد فعل
أخيراً، لا شكّ أن وسائل تقوية الهمّة لا تحصى ولا تسعها هذه الصفحات القليلة، كمصاحبة أصحاب الهمم، والاقتداء بقادتنا، والإيمان بالذات، والتفكير الإيجابي، وإدراك دورنا كأفراد وجماعات... لكنّ أهمّها على الإطلاق حسب رأيي المتواضع هو امتلاك الإرادة للتغيير والتطوير، فقد قالوا إن: «الإرادة هي القدرة ومن أراد فعل»! وقال عزّ من قال: «{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11).
****
الهوامش:
· الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين، ص441.
· ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2132.
· كنز العمال، المتقي الهندي، ج1، ص115.
برامج
1635قراءة
2015-11-14 16:14:59
fatima hammoud |