قصة الرّاعي والحجّاج
ذات يوم، خرج الحجاج (وهو والٍ ظالم ومستبدّ) يريد السفر إلى اليمن عن طريق الصّحراء. كان الخدم يرافقون قافلته أينما ذهب وأينما حلّ، ينصبون له الخيام في الطريق عندما تشعر القافلة بالتعب.
وفي وقت كان الحر فيه شديدًا، وضع الخدم مائدة الطعام، وفيها أنواع المأكولات والمشروبات والحلويات، وقبل أن يبدأ الحجاج بتناول الطعام، رأى شابًا يرعى مجموعة خراف، وقد أخفى رأسه تحت الخراف من شدة حرارة الشّمس، فأرسل إليه الحجاج بعض حراسه، فأحضروه إليه.
قال له الحجاج: ادخل، واجلس في الخيمة لتحتمي من الشّمس.
فقال له الشّاب: أريد أن أذهب وأرعى الخراف، فدعني لحالي.
فقال له الحجاج: إذا كان الأمر كذلك، فكل شيئًا واذهب.
قال الشّاب: لا أريد.
فقال الحجاج: لمَ؟
فقال: إنني مدعو إلى وليمة أفضل من وليمتك.
فقال الحجاج: لن تجد ولن تحلم بوليمة مثل هذه، فإنها مائدة السلطان، فهل وليمة الذي دعاك إليها أفضل مما عندنا؟
فقال الشّاب: نعم، أفضل وأحسن.
فقال له الحجاج بغضب: ومن هذا؟!!
أجاب: إنني ضيف على رب العالمين، فأنا صائم، والصّائم ضيف على الله.
فقال الحجّاج مستعجبًا: صومٌ في مثل هذا اليوم الحار؟!
قال الشّاب: صمت ليوم هو أحرّ منه (يعني يوم القيامة).
فقال له الحجاج: حسنًا، إن الأيام كثيرة، فكل اليوم، وصم غداً عوضاً عنه.
قال الشاب: سآكل بشرط أن تضمن لي البقاء حياً إلى الغد.
فبهت الحجاج، وفهم أن الرّاعي الشاب إنسان مؤمن وذكي، ولن يستطيع إكمال حديثه معه، فقال: دعك من هذا الكلام، فمن أين ستحظى بهكذا طعام طيب ولذيذ؟
فردّ الشّاب: أأنت الذي جعلته طبيًا؟ واللهِ ما طيبه خبّازك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية والصّحة، فلو كنت مريضًا ما كنت تشعر بلذة الطعام.
فقال الحجاج: والله ما رأيت كاليوم من علم هذا وتقواه. أخرجوه عني.