12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة الدليلات >> الأم التي اعتبرت من ابنها

" الحمدلله رب العالمين". قلت متمتمةً وأنا أنظر من شُرفةِ المنزِلِ إلى الشارِع. كُنتُ أحمدُ الله على كل شيء طبعاً، ولكن في هذه اللحظة بالذات، كُنتُ أنظُرُ إلى الناس في الشارع، فرأيتُ الأطفال يلعبون. شعرتُ بإحساسٍ جميلٍ، و رأيتُ أن الدُنيا الحمدلله بألفِ خير، إذ أننا نحيا بأمانٍ في حين يعيش البعض في العالم دون هذا الأمان، وهم يتعرضون للأذى من قبل الإرهابيين، والمحتلين و غيرهم.
"الحمدلله رب العالمين".
كُنتُ أترقَّب لحظة عودة إبني منوشهر من المدرسة. لطالما ترقبتُ وصوله.. أنا أحمد الله على نعمه كلها بالطبع، ولكن شعور الأمومة دائماً في صدري، فأشعر بالقلق على منوشهر حتى يعود إلى المنزل من مدرسته يومياً.
كانت الساعة قد قاربت الثالثة، و كان منوشهر قد تأخر قليلاً..
كُنتُ أنظرُ إلى الحقول هنا و هناك، حقول القرية و بساتينها. كان يوماً جميلاً بالفعل،و لمحتُهُ من بعيد منوشهر وهو يقترب من المنزل كان ما زال بعيداً قليلاً.. ورأيتُهُ وياللعجب، كان يأخُذُ محرمَةً من جيبِهِ فأسقَطَ عُملَةً نقدية، نظر إليها قليلاً، ثم تابع المسير.
لم يلتفت حتى ليأخذ النقود عن الشارع.
ما الذي جرى في عقله؟!
شعرتُ بالأسف إنا لله و إنا إليه راجعون. لقد أُصيبَ إبني بالجنون، فهو يرمي النقود على الشارع، و كأننا نجِدُها على الشارع!! سبحان الله! ما الذي جرى في عقله؟! اللهم اشفيه اللهم اشفي منوشهر! إنه إبني وحبيبي وعزيزي. دَعيتُ الله متضرعةً، حتى أنني سجدتُ، " اللهم أتوسل إليك، إشفي إبني.. لا أدري ما الذي حصل له!"
عندما دخل منوشهر، كنتُ لا أزال ساجِدَةً، أدعو الله.
"أمي، هل أنتِ بخير؟"
إلتفتُّ سريعاً، أستغفر الله.. "أنا بخير يا بني، السلام عليكم"
"آه، المعذرة، وعليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته يا أمي، السلام عليكم.. لقد استغربت لرؤيتك تسجدين هنا و بهذا الشكل! ما الأمر؟ ما الذي حدث؟!"
"بني، أجبني الآن"
كنتُ أنظُر إليه وعلى وجهه علامات البراءة، و كأنه لم يفعل شيئاً خاطئاً!
وددتُ أن أقوم بضربِه! ولكن الضرب لا يجوز، فإن أصبته بأي احمرارٍ، ستجب عَلَيَّ الديَّة، وهي فدية يجب على المسلم أن يدفعها إن ترك علامةً بعد ضرب أي إنسان، حتى ولو كان ابنه.
ولكني كُنتُ أشعُرُ بغضب، غصب غريب. غضبٌ وبنفس الوقت حزن. حزنٌ لمرض إبني العقلي، إذ يرمي النقود على الشارع وكأننا نجدها على الشارعَ! فنحن لسنا أغنياء.
"منوشهر،"
"ما الأمر يا أمي؟! تبدين غاضبة!"
"نعم أنا غاضبة، غاضبةٌ جداً في الحقيقة! ألم أربيك؟ هل قصرتٌ في حقك؟!"
" المعاذة بالله يا والدتي، ما الأمر لماذا تقولين هذا الكلام؟"
"كنتُ أراقبك من النافذة قبل بضع دقائق، و رأيتُك عندما أخذت المحرمة من جيبك و قد أسقطت النقود!"
"آه رأيتِني؟! آه!"
"نعم، وقد لاحظتُك، وقد تابعتَ المسير بعد أن نظرت إلى المال وهو على الأرض! أي أنك رأيته، وعرفت أنك أسقطت النقود، و لكنك لم تلتفت لتلتقطها، فلِما فعلت ذلك؟! فهل ترى أباك شخصاً غنياً؟!"
"الحمدلله يا والدتي نحن ميسورون."
"نعم، نعم، الحمدلله رب العالمين، وضعنا جيد الحمدلله ولكننا لا نجد النقود على الشارع كي ترمها أنت على الشارع بهذا الشكل! ما الذي جرى في عقلك؟! سوف أعاقِبُك!"
"حسناُ يا أمي، المعذرة."
"لا! يجب أن تقول لي: لما فعلت ذلك؟ لما لم تلتقط النقود؟!"
"لماذا؟! لا أدري!"
"إذاً، فسوف أحرمك من المصروف وعليك أيضاً أن تذهب الآن فتحضر المال إلى هنا!"
"أعفني يا أمي.."
"لا لن أعفيك، بل وإن لم تفعل ذلك فسوف أغضب عليك إلى يوم القيامة!
لا يجب عليك أن تخفي عني يجب أن تخبرني ما الأمر! لما فعلت ذلك؟!"
" الحقيقة يا أمي.. الحقيقة.. أني كنتُ أتمشى، و قد رأيتُ أحد معارفي من المدرسة، وهو تلميذ محتاج.."
" من هو؟"
"إنه محمود، وأنا أعرف أنه بحاجة ماسة إلى المال. أمه مريضة، و أبوه كما تعلمين تاجر لا يكاد يتقاضى أجراً يكفي لأجار المنزل وغير ذلك. والحقيقة أن محمود لا يسلك هذه الطريق على الإطلاق، ولكن عندما أسقطت النقود قبل قليل، نظرتُ إليها وهممت لالتقاطها، ولكني تذكرت وضع محمود وغيره، ففكرتُ أن هذه النقود هي قليلة جداً، والحمدلله رب العالمين، وضعنا جيد، فقلت: سأتركها هنا عسى أن يجدها شخص محتاج فيأخذها، فتكون له، ويكون إن شاء الله لنا الأجر يوم القيامة."
"أنت مجنون! أنت مجنوووون يا منوشهر أنت مجنون! لما تفعل هذا؟! سوف آخذ لك موعداً مع الدكتور.. سوف آخذه اليوم.. يجب أن ترى طبيباً!"
"حسناً يا بني، ألا تعرف يا منوشهر، أنه في الإسلام، إن رأيت مبلغاً ما على الأرض، و لا تأخذه إلا بعد مرور سنة؟"
"نعم يا أمي، هناك شروط معينة للمبلغ الذي يمكنكِ أن تأخذيه من الشارع. ولكن في الحقيقة، إن كان الإنسان محتاجاً جداً، قد يأخذه، و ليسامحه الله. فأنا لستُ غاضباً، فأنا أريد من الأشخاص المحتاجين أن يأخذوا هذا المال. وإن أخذه شخص غني فعسى أن يكون له عبرة في ذلك، أو عسى أن يسأل أو يضعها في المسجد، وعندها يكون الأجر لنا و له."
لم يمضي سوى بضع دقائق.. و سبحان الله، ها أنا أرى ولداً من المدرسة.. ولد أعرفُهُ حق المعرفة. إنه رامين، كان يتقدم من منزلنا: "السلام عليكم"
"وعليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته، كيف حالك يا رامين؟"
"الحمدلله رب العالمين، لقد وجدت هذه النقود وهي قريبةٌ جداً من منزلك، فظننتُ أنك قد تكون قد أسقطّها أنت، و لهذا أتيتُ لكي أعيدها إليك."
"ماذا؟! أنا أُسقِطُ النقود؟! ههههه وهل تظنني غنياً يا رامين؟ لا يا عزيزي الحقيقة أن هذه النقود التي وجدتها لها قصة.."
"و ما هي هذه القصة؟!"
نظرتُ إلى أمي و كانت تشعر بشيءٍ غريب، كانت تبدو عليها علامات التعجب. لا لم تكُن غاضبة هذه المرة، كانت تشعر بالعجب؛ عجبٌ حقيقي. كانت مُستَغرِبَة مصدومَة.
"الحقيقة يا صديقي أن هناك رجُلاً، و هو ليس من قريتنا، يأتي ويمر من هنا في بعض الأحيان، وهذه ليست المرة الأولى. وفي بعض الأحيان، هذا الرجل، و قد تحدثتُ إليه من قبل، و قد أخبرني بقصةٍ غريبة.."
"نعم، أنا أسمعُك."
"لقد رأيتُهُ مرةً قبل أسبوعَين. كان يَمُرُّ من هُنا وأسقط نقوداً، فالتفت إليها ولم يلتقطها، وتابع المسير. فخرجتُ من الباب و لحقتُ به، "لقد رأيتُك و قد أسقطت مالك قبل خطواتٍ من هنا، فلما لم تلتقطها؟!"
"لقد رأيتني."
"نعم، و لهذا أود أن أعرف الإجابة إذا سمحت"
"يا بني،ط قال لي ذلك الرجل وهو ينظُرُ إلَيَّ بنظرةٍ لا تقل حناناً عن نظرة أبي أو أمي، قال لي: ط يا بني، أنا و الحمدلله ميسور جداً، و أحب من وقتٍ إلى آخر أن أسقط بعض النقود هنا أو هناك، في مناطِقَ أعرف أن فيها أو يمر منها بعض المحتاجين، فعسى أن يلتقطها أحد فيأخذ هذه النقود، فيكون لنا الأجر، ونكون قد ساعدنا شخصاً محتاجاً، و الحمدلله رب العالمين.
و الحقيقة أن والدتي قد رأت ذلك الرجل اليوم بالتحديد وقد أسقط هذه النقود، وكانت تقول لي أن هذا الرجل لا شك مجنون. فضحكت منها وأخبرتُها بالقصة. وها أنت ذا تأتي وتسأل السؤال نفسه، والحمدلله رب العالمين، فأنت يا رامين تحتاج هذه الأموال، و هذا الرجل قد أسقط هذا المال عسى أن يجده شخص يحتاجه، فهي لك إن شاء الله، إنك شخص قد آجره الله لعملٍ ما في دنياه، أو لأنه شخص جيد، أو للإثنين معاً."

بقلم: رضا رضا

دليلة
1239قراءة
2017-04-12 14:59:46

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا