توضّأ وحبّات الماء تتساقط من يديه كاللّؤلؤ المكنون ... كان الفجر قد تسلّل من بين أهداب الظّلام، وانسدل كشلّال الضّياء إلى غرفته في النّبيّ شيت ... وكانت الصّلاة موعدًا مقدّسًا حيث تكلّلت بمناهل الفيوضات، فرفعتها الملائكة على جناحين ومرّت بها فوق الجنان، لتعشقها كخليلة لها ...
هو سيّد المقاومين، الشّهيد السّيّد عبّاس الموسويّ قدس سره ذاك الفؤاد التّائق للمعشوق الأوحد .. غَدَا كالرّوح الهائمة مفعمة بمسك الفردوس الأجمل، وعبق الجهاد الأقدس..
قبض على سلاحه فكان بأسًا وكأسًا يسقي به العدو هزيمةً تلو الأخرى .. وذاب مع النّاس ذوبان الحبيب والعطوف؛ فكان الخادم للفقراء، والمساكين والأيتام .. حتّى نذر الأشفار لهم، فعشقه كلّ النّاس وأضحت نفحاته تسبقه في شوارع الضّاحية الجنوبيّة، فيستقبله المحبّون وقد أغدق على قلوبهم من سحر مقلتيه الخاشعتين ..
لم تنْسَكَ الأفئدة سيدي، وأنت تشقّ الجموع في مسيرات أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وأنت تتفقّد المستضعفين، فتلفّهم بعباءتك الشّريفة وترسم على وجوه المحرومين بسمة رجاء مباركة تبلسم الآلام والآلام...
تلك الزّيارة كانت الأخيرة لبلدته حيث اشتاق لضمّ فلذات أكباده بعد طول فراق.. وكم عَشِقَ ضجيجهم وحركاتهم البريئة... وربّما كانت تجول بخاطره أنّها المرّة الأخيرة الّتي يراهم فيها وهم يركضون حوله ويلاعبونه...
في تلك الأثناء، كانت ذكرى شيخ الشّهداء الشّيخ راغب حرب قدس سره قد اقتربت، وكان لا بدّ من مشاركة للسّيّد عبّاس في الاحتفال الجماهيريّ في جبشيت ... ولم ترضَ أمّ ياسر إلاّ أن تكون في رفقته _فإمّا أن نستشهد معًا أو أن نعود معًا_ أصرّت في حديثها معه قبل ليلة من الاستشهاد...
ولم يخفَ على السّيّد عبّاس آنذاك ما كان يُحاك في غرف الإرهاب الإسرائيليّ، حيث جُهّزت طائرات الاستطلاع والطّائرات الحربيّة وجرى التّخطيط للاغتيال بدقّة بالغة ... وبالرّغم من كلّ هذا كان السّيّد على يقين أنّه بعين الله..
كانت خطبته الأخيرة في ذكرى شيخ الشّهداء الشّيخ راغب حرب قدس سره، كالقبضة الحديديّة الّتي قسمت ظهر الصّهاينة فلم يجدوا بُدًّا سوى الإصرار على اغتياله بتوجيه ضربة مباشرة من طائرة حربيّة فوق الموكب مباشرةً، فأُصيبت سيّارة السّيّد واستُشهد على الفور مع زوجته وطفلهما حسين....
وحلّقت الأرواح إلى بارئها واجتبت من رياض الحسين عليه السلام مكانًا لها.. وما زال صداها في كلّ الأرجاء... "اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر".
من أقوال السّيّد عبّاس الموسويّ قدس سره:
• نحن على خطّ إمامنا الخمينيّ نؤمن بالقاعدة الّتي سنّها هذا الإمام اقتلونا فإنّ شعبنا سيعي أكثر فأكثر.
• اللّهم ارزقني شهادةً مطهّرة، أنا اخترتها بنفسي كفّارة عن ذنبي، شهادة قلّ نظيرها يتفتّت فيها جسدي، وتنال كلّ جارحة من جوارحي ما تستحقّ من قصاص ...
دليلة
1742قراءة
2018-02-08 10:27:49