(وآذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله)[1]
إن ّتواجدنا في المواقيت الإلهية والمقامات المقدسة يفرض علينا تحرير أنفسنا من كل براثن الدنيا، لذا علينا في جوار بيت الله المليء بالبركات، مراعاة آداب الحضور في الساحة المقدسة للعلي العظيم، وتحرير قلوبنا من غير حب الله وإضائتها بأنوارالتجليات الإلهية حتى تكون أعمالنا ومناسكنا كلها ممتلئة بمضمون الحج الإبراهيمي وبعده بالحج المحمدي قبل أن ترفع إلى الربّ الجليل. فالإمام الخميني(قده) يخاطب حجاج بيت الله الحرام بخطاب وجداني وروحي، ليكون درساً لنا لنفهم الحجّ، فهماً دقيقاً، وحتى لا نعتبره تقليداً أو حدثاً عابراً، فيقول: "إن البعد السياسي والإجتماعي للحج لايتحقق إلاّ بعد أن يتحقق البُعد المعنوي". إنطلاقاً من مضمون حديث الإمام(قده) يتأكد عندنا ومن دون أدنى شك أنّ لكل منسك من مناسك الحج سر دفين، إذا ما انتبهنا له مبكراً لا يكون حجّنا إن شاء الله مصداقاً للقول: "ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج"، بل على العكس تماماً.
إن الطواف حول الكعبة المشرفة يعني أن الإنسان لن يطوف لغير الله. ورجم العقبات هو رجم شياطين الإنس والجن، ومعاهدة الله بإقتلاعها من البلاد الإسلامية. أمّا تلفظ لبّيك، لبّيك، هي صرخة ضد الأصنام وضد كل الطواغيت الكبار والصغار، وهي إعلان بأن الحاج يستجيب لنداء الله وأمره، وقد حضر بين يدي رحمته، حبًا له وإخلاصًا. وأثناء الطواف في حرم الله حيث يتجلّى العشق الإلهي، تخلّوا القلوب من الآخرين، وتتطهّر الأرواح من أي خوف لغير الله وفي موازاة العشق الإلهي، تتبرأ الأنفس من الأصنام الكبيرة والصغيرة والطواغيت. وعند مصافحة الحجر الأسود تعقد البيعة مع الله ليكون الحاج عدو لأعداء الله ورسوله والصالحين والأحرار. وأثناء السعي بين الصفا والمروة، ليكون سعي من يريد الوصول إلى المحبوب حتى إذا وجده هانت كل الأمور الدنيوية، وانتهت كل الشكوك والترددات، وانكسرت القيود الشيطانية التي أسرت عباد الله. وعند المسيرإلى المشعر الحرام وعرفات يكون الإنسان في حالة إحساس وعرفان، مطمئن القلب لوعد الله الحق بإقامة حكم المستضعفين. أمّا في مِنى يكون الطلب بتحقق الآمال الحقّة حيث التضحية هناك بأثمن وأحب شيء في طريق المحبوب المطلق، وفي هذه الحال ترجم الشياطين، وتطرد من الأنفس. لا شكّ في أن أول من أعلن البراءة من المشركين بعد آل محمد(ص) هو الإمام الخميني(قده)، حيث اعتبر أن البراءة ركن الحج. وإعلانها يعتبر من الأركان التوحيدية والواجبات السياسية للحج، إذ إنّ على المسلمين أن يملأوا أجواء العالم بالمحبة للباري، وبالبغض والرفض لأعداء الله ويجب ألا يصغوا إلى وسوسة الخنّاسين والجهّال. إن إعلان البراءة هو المرحلة الأولى من الجهاد ومواصلته هي من المراحل الأخرى لتكليفنا. إذاً للحج أبعاد توحيدية وسياسية لايستطيع أن يدركها غير الأنبياء العظام والأولياء الكرام وخاصّةُ العباد. لنكون من الخاصّة علينا أن نتخذ العبر، ونتعلم كيف نقدّم أعز ثمرات حياتنا في سبيل إقامة دين الله والعدل الإلهي على الأرض. فعن الإمام الباقر (ع): "ما يُعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه وحسن الصحابة لمن صحبه".
[1] سورة التوبة آية 3
دليلة
2146قراءة
2020-07-22 13:40:27