12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

شذرات العترة عليهم السلام >> باقر العلوم

باقر العلوم

 عاش أئمّة أهل البيت عليهم السلام ظروفاً مختلفة، أحاطت بحياتهم الشريفة من كلّ جهة، وكانت سبباً في اختلاف أدوارهم حسب ما تيسّر لهم من ظروف، مع وضوح الرؤية ووحدة الهدف، وهو الحفاظ على الإسلام الأصيل ومبادئه المشرقة النيّرة.
والإمام محمّد الباقر عليه السلام خامس أئمّة أهل البيت عليهم السلام ممّن تسنّت له ظروف خاصّة، ساهمت في قيامه بدور هامّ ومميّز لا سيّما على الصعيد العلميّ والفكريّ.
فقد كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم1. 
أشهر ألقابه هو الباقر، ذكره أئمّة اللغة في كتبهم، ففي لسان العرب: التبقّر: التوسّع في العلم والمال، وكان يقال لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن علي: الباقر رضوان الله عليهم، لأنّه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتبقّر في العلم، وأصل البقر: الشقّ والفتح والتوسعة، بقرت الشيء بقراً: فتحته ووسّعته2.
وقد لقّبه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يولد، وأخبر به جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وروي عنه أنّه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له: محمّد يبقر علم الدين بقراً، فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام"3.
وعن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذات يوم لجابر بن عبد الله الأنصاريّ: يا جابر إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب المعروف في التوراة بالباقر فإذا لقيته فاقرئه منّي السلام. فدخل جابر إلى عليّ بن الحسين عليه السلام فوجد محمّد بن عليّ عليه السلام عنده غلاماً فقال له: يا غلام أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر. فقال جابر: شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وربّ الكعبة، ثمّ أقبل على عليّ بن الحسين عليه السلام فقال له: من هذا؟ قال: هذا ابني وصاحب الأمر بعدي: 
 محمّد الباقر، فقام جابر فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول: نفسي لنفسك الفداء يا بن رسول الله، اقبل سلام أبيك، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ عليك السلام، قال: فدمعت عينا أبي جعفر عليه السلام ثمّ قال: يا جابر على أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلام ما دامت السماوات والأرض وعليك- يا جابر- بما بلّغت السلام".
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:"إنّ جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مسجد الرسول معتجّرا  بعمامة، وكان يقول: يا باقر يا باقر، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله لا أهجر ولكنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّك ستدرك رجلاً منّي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً، فذلك الذي دعاني إلى ما أقول، قال: فبينما جابر ذات يوم يتردّد في بعض طرق المدينة إذ مرَّ محمّد بن عليّ عليه السلام فلمّا نظر إليه قال: يا غلام أقبل، فأقبل، ثمّ قال: أدبر، فأدبر، فقال: شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفس جابر بيده، ما اسمك يا غلام؟ فقال: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فقبَّل رأسه ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي، أبوك رسول الله يقرئك السلام فقال: وعلى رسول الله صلّى الله عليه وآله السلام.. فرجع محمّد إلى أبيه وهو ذعر فأخبره بالخبر فقال: يا بنيّ قد فعلها جابر؟ قال: نعم، قال: يا بنيّ الزم بيتك، قال:
 فكان جابر يأتيه طرفي النهار فكان أهل المدينة يقولون: واعجباً لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار، وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فلم يلبث أن مضى عليّ بن الحسين عليه السلام، فكان محمّد بن عليّ عليه السلام يأتيه على الكرامة لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فجلس الباقر يحدّثهم عن الله فقال أهل المدينة: ما رأينا أحداً قطّ أجرأ من ذا! فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أهل المدينة: ما رأينا قطّ أحداً أكذب من هذا يحدّث عمّن لم يره! فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبد الله فصدّقوه، وكان- والله- جابر يأتيه فيتعلّم منه".
 
والدته الصِّدِّيقة:
أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فهو هاشميّ من هاشميَّين، علويّ من علويَّين، وفاطميّ من فاطميّين، لأنّه أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليه السلام.
وعن الباقر عليه السلام قال: "كانت أمّي جالسة عند جدار فتصدّع الجدار وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: لا وحقِّ المصطفى ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلّقاً في الجوّ حتّى جازته، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار".
 وذكر أبو عبد الله عليه السلام جدّته أمّ أبيه يوماً فقال: "كانت صدّيقة، لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها"4.
مع أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام:
عن الزهريّ قال: دخلت على عليّ بن الحسين عليه السلام في المرض الذي توفّي فيه...ثمّ دخل عليه محمّد ابنه فحدّثه طويلاً بالسرّ فسمعته يقول فيما يقول: "عليك بحسن الخلق" قلت: يا ابن رسول الله إن كان من أمر الله ما لا بدّ لنا منه- ووقع في نفسي أنّه قد نعى نفسه- فإلى من يُختلف بعدك؟ قال:"يا أبا عبد الله إلى ابني هذا"- وأشار إلى محمّد ابنه-" إنّه وصيّي ووارثي وعيبة علمي، معدن العلم، وباقر العلم"، قلت: يا ابن رسول الله ما معنى باقر العلم؟ قال: "سوف يختلف إليه خُلّاص شيعتي، ويبقر العلم عليهم بقراً"، قال: ثمّ أرسل محمّداً ابنه في حاجة له إلى السوق، فلمّا جاء محمّد قلت: يا ابن رسول الله هلّا أوصيت إلى أكبر أولادك؟ قال: "يا أبا عبد الله ليست الإمامة بالصغر والكبر، هكذا عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا وجدناه مكتوباً في اللوح والصحيفة"، قلت: يا ابن رسول الله فكم عهد إليكم نبيّكم أن يكون الأوصياء من بعده؟ قال: "وجدنا في الصحيفة واللوح اثني عشر أسامي مكتوبة بإمامتهم وأسامي آبائهم وأمّهاتهم" ثمّ قال: "يخرج من صلب محمّد ابني سبعة من الأوصياء فيهم المهديّ صلوات الله عليهم"5.

1.    ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 210.
2.    ابن منظور: لسان العرب ج 4 ص 74 مادة بقر.
3.    المفيد: الإرشاد ج 2 ص 15 
4.    الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 469
5.    المجلسيّ: بحار الأنوار ج 46 ص 232 233.

تدريب
1456قراءة
2020-07-28 15:40:35

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا