الامام علي (ع) في كلام القائد1
سلوك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلال فترة حكمه، سواء السلوك الشخصي أو السلوك الاجتماعي والحكومي. السلوك الشخصي هو حياة الزهد التي عاشها خلال فترة حكمه واقتداره. كانت تحت يده بلادٌ واسعةٌ عظيمة من أقصى الشرق إلى مصر وأفريقيا - هذه المنطقة العظيمة - كانت كلّها تمثّل الدولة الإسلاميّة وتحت إمرة وحكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . هذا الحاكم الكبير المقتدر بهذا البلد الواسع الثريّ كانت حياته الشخصيّة وسلوكه الشخصي أشبه بإنسان فقير معدم، فقد كان يعيش بثوب واحد ويأكل خبز الشعير اليابس ويتجنّب كل الملذّات الماديّة، إلى درجة أنّه هو نفسه يخاطب أصحابه وقادته والمسؤولين في زمانه فيقول لهم: "اِنَّكم لا تَقدِرونَ عَلىذلِك"5؛ إنّكم لا تقدرون على ذلك، وقد كان على حق، فما من أحد يقدر على ذلك. الواقع أنّه لأمر عجيب أن تكون الحياة الشخصيّة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلال فترة حكمه بهذه الصورة -أن يعيش في بيت متواضع جدًّا وتكون معيشته في الحدّ الأدنى، ويعيش مثل إنسان فقير معوز محتاج- ويخوض في كلّ هذه الأعمال الكبرى. وإنّ سلوكه الاجتماعي وإقامته للحق والعدل وصموده لتنفيذ الأحكام الإلهيّة مما يحيّر كلّ عقل أمام كلّ هذه العظمة والاقتدار. أي إنسان هذا؟ هذا ما عدا مراتبه ومقاماته المعنويّة، فهذا هو سلوكه السياسي. كيف عاش الساسة والحكام في العالم وكيف عاش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ؟ وهذا بدوره محور مهمّ لم يعد له نظير لحد اليوم، ولن يكون له نظير. زهد أمير المؤمنين عليه السلام وسلوكه الشخصي وعبادته خلال فترة حكمه واقتداره. قالوا للإمام السجاد عليه السلام : يا بن رسول الله، لماذا تشقّ على نفسك كلّ هذه المشقّة، وتضغط عليها كلّ هذا الضغط، وتتعبّد كلّ هذه العبادة، وتزهد كلّ هذا الزهد، وتصوم كلّ هذا الصيام، وتتحمّل كلّ هذا الجوع؟ فبكى الإمام السجاد عليه السلام وقال إنّ ما أقوم به ليس بشيء أمام ما كان يقوم به جدّي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فأين عملي من عمله! أي إنّ الإمام السجاد عليه السلام كان يرى سلوكه العبادي والزهدي صغيرًا مقابل السلوك الزهدي والعبادي للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ؛ هذا شيء على جانب كبير من الأهميّة؛ هذا عن المحور الثالث.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطعتموني فسأحملكم إلى الجنّة. وعبارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نهج البلاغة هي: "فَاِن اَطَعتُمونى فَاِنّي حامِلُكم إن شاءَ اللهُ عَلىسَبيلِ الجَنَّة"؛ يقول إذا سمعتم ما أقوله لكم وعملتم به، فإنّني سوف آخذكم إلى الجنّة إن شاء الله. "وَاِن كانَ ذا مَشَقَّةٍ شَديدَةٍ ومَذاقَةٍ مَريرة"6؛ مع أنّ هذا الأمر صعب جدًا ومرّ جدًّا. هذه المسيرة ليست بالمسيرة الصغيرة أو السهلة. هذا هو هدف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . إيصال الناس إلى الجنّة، سواء على الصعيد الفكري [للناس]، أو على الصعيد الروحي والقلبي لهم، أو على صعيد حياتهم الاجتماعيّة. إنّني أشدّد على هذه النقطة لأنّه يُسمع أحيانًا، هنا وهناك، عندما يجري الحديث عن الهداية والإرشاد وبيان حقائق الدين وما إلى ذلك، من يقول: يا سيّدي، وهل من واجبنا أن نأخذ الناس إلى الجنة؟ نعم، نعم، هو كذلك. هذا هو الفرق بين الحاكم الإسلامي وسائر الحكام: يريد الحاكم الإسلامي أن يعمل لكي يوصل الناس إلى الجنة ويتمتّعوا بالسعادة الحقيقيّة والأخرويّة والعقبائيّة، لذلك عليه أن يمهّد الطرق. ليس الكلام هنا عن التعسّف والضغوط والإكراه، إنّما هو كلام عن المساعدة. إنّ فطرة البشر ميّالة للسعادة ويجب أن نفتح الطريق ونسهّل الأمور للناس ليستطيعوا إيصال أنفسهم إلى الجنّة. هذا هو واجبنا، وهذا هو العمل الذي حمل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أعباءه على كاهله وشعر بواجب أخذ الناس إلى الجنّة.