المناجاة الشعبانية:
من الأعمال العامّة لشهر شعبان "المناجاة الشعبانية" وقد تقدم التأكيد عليها في بداية الشهر.
وهذه المناجاة التي يدعى بها في كلّ يوم من هذا الشهر المبارك،بل ومطلقاً،هي غاية في الأهمية وقد ورد في الروايات أنّ الأئمةجميعاً عليهم السلام، كانوا يناجون الله تعالى بها في شهر شعبان.
من كلمات العلماء:
1-أورد السيد أن ابن خالويه يقول حول المناجاة الشعبانية:إنها مناجاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من ولده عليهم السلام، كانوا يدعون بها في شهر شعبان".الإقبال3/296.
2-أورد المناجاة العلامة المجلسي نقلاً عن الكتاب العتيق الغروي الذي يرمز له ب(ق) فقال:مناجاة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وهي مناجاة الأئمة من ولده عليهم السلام كانوا يدعون بها في شهر شعبان، رواية ابن خالويه رحمه الله.البحار 94/96.
3- في معرض حديثه عن شهر شعبان ،تحدث العارف الجليل آية الله الملكي التبريزي رضوان الله تعالى عليه عن هذه المناجاة فقال:
"ومناجاته الشعبانية معروفة، وهي مناجاة عزيزة على أهلها يحبونها ويستأنسون بشعبان من أجلها بل ينتظرون مجيء شعبان ويشتاقون إليه من أجلها، وفي هذه المناجاة علوم جمة في كيفية تعامل العبد مع الله جلّ جلاله، وبيان وجوه الأدب التي ينبغي أن نلتزمها ونتأدب بها عندما نسأل الله تعالى حوائجنا، وندعوه سبحانه ونستغفره،واستدلالات لطيفة تليق بمقام العبودية لإحكام مقام الرجاء المناسب لحال المناجاة، ودلالات صريحة واضحة في معنى لقاء الله تعالى والقرب منه والنظر إليه جل جلاله ترفع شبهات السالكين وشكوك المنكرين.
وهذه المناجاة من مهمات أعمال هذا الشهر، بل للسالك أن لا يترك قراءة بعض فقراتها على مدار السنة، ويكثر المناجاة بها في قنوته وسائر حالاته السنية.. إنّ هذه المناجاة مناجاة جليلة ونعمة عظيمة من بركات آل محمد عليهم السلام يعرف قدر عظمتها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
يضيف: "ولعمري إنّ الأغلب لا يعرفون شأن نعمة هذه المناجاة وأنّ من شأنها علوماً عزيزة ومعارف جليلة، لا يطلع عليها وعلى أبعادها إلاّ أهل ذلك من أولياء الله الذين نالوا بها من طريق الكشف والشهود ما نالوا، ثمّ إنّ الوصول إلى حقائق هذه المناجاة عن طريق المكاشفة إنّما هو من أجلّ نعم الآخرة ولا يقاس الوصول إلى حقائق هذه المقامات بشيء من نعيم الدنيا وإليه أشار الصادق عليه السلام بقوله: لو علم الناس ما في فضل معرفة الله ما مدوا أعينهم إلى ما مُتّع به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا وكانت دنياهم أقلّ عندهم مما يطؤونه بأرجلهم وتنعّموا بمعرفة الله وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله..."آية الله الملكي التبريزي،المراقبات75-76.بتصرف.
ويهدف القسم الأخير من كلامه واستشهاده رضوان الله تعالى عليه بهذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، إلى توجيهنا نحو اللذة الروحية السامية التي تنتج عن العبادة بمختلف مظاهرها من مناجاة وصلاة وصيام، وأنّ الإنسان إذا عرف حقيقة اللذة الروحية فإنّه يراها أفضل بكثير من كلّ لذائذ الدنيا.
ومن الواضح أنه قد ذكر ذلك في سياق التأكيد على فرادة العلاقة بين المناجاة الشعبانية والكشف والشهود واللذة الروحية الناتجة عنهما ببركة هذه المناجاة.
4- قال المحدث الجليل الشيخ القمي رحمه الله :
" وهذه مناجاة جليلة القدر منسوبة إلى أئمتنا عليهم السلام مشتملة على مضامين عالية ويحسن أن يدعى بها عند حضور القلب متى ما كان".الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان، في آخر المناجاة.
5-يقول الإمام الخميني في وصيته:
" نحن نفتخر بأن لنا مناجاة الأئمة الشعبانية"
وأبرز انطباع يخرج به المتابع لنص الإمام هو تفاعله النوعي مع المناجاة الشعبانية.. بل إننا إذا أردنا البحث عن مكونات اللهيب الباطني عنده، لوجدنا أن المناجاة الشعبانية في الطليعة.
يكثر الإمام الاستشهاد بالمناجاة، وهذه وقفة مع ما ورد في خطبه وكتبه حول أهميتها،وعظمة مضامينها.
ورد ذكرها باسمها "شعبانية" في خطبه في عشر خطب، وهو يذكرها في كل خطبة عدة مرات.
وحول أهميتها نجد الآتي:
أ- لو لم يكن في الأدعية إلا المناجاة الشعبانية لكفى ذلك دليلاً على أن أئمتنا هم أئمةٌ بحق لأنهم أنشأوا هذا الدعاء وواظبوا عليه. صحيفهء نور، قرص مدمج(إصدار مركز نشر آثار الإمام الخميني، الإصدار الثاني) بتاريخ 21/4/59 هـ.ش= 80 م
ب- جميع المسائل التي أوردها العرفاء في كتبهم المبسوطة أو رووها موجودة في عدة كلمات من المناجاة الشعبانية.نفس المصدر.
ت- يتحدث الإمام عن ضيافة الله تعالى فيقول:
"عندما تريد أن تذهب إلى ضيافة فإنك تهيء نفسك غالباً بشكل آخر من حيث الثياب وغير ذلك، بحيث يختلف وضعك عما كان عليه في البيت.
شهر شعبان فرصة لهذه التهيئة والاستعداد للضيافة، بحيث يختلف وضعك عما كنت عليه.
شهر شعبان هو لتهيئة الفرد والأمة لضيافة الله تعالى.. والعمدة في هذه التهيئة هي المناجاة الشعبانية. أنا لم أرَ في الأدعية دعاءً ورد حوله أن جميع الأئمة كانوا يقرأونه إلا هذا الدعاء.
المناجاة الشعبانية هي لإعدادك وإعداد الجميع وتهيئتهم لضيافة الله.
إلى أن يقول:
المناجاة الشعبانية (مناجاة) قلّ نظيرها ". المصدر، بتاريخ 31/4/59 =80 م ج12/235.
ث- في خطبة أخرى بمناسبة النصف من شعبان يقول الإمام:
المناجاة الشعبانية من .. أعظم المعارف الإلهية، ومن أهم الأمور التي يستطيع من هم أهلها أن يستفيدوا منها في حدود إدراكهم.
إلى أن يقول:
في المناجاة الشعبانية مسائل عرفانية يمكن أن يدركها الفلاسفة إلى حدود ما، أي أن يفهموا عناوينها، لكن حيث أنه لم يتحقق لهم الذوق العرفاني فإنهم لن يستطيعوا أن يعيشوها. كم هي عظيمة هذه المناجاة..؟
ماذا أراد الأئمة عليهم السلام..؟
لم أرَ أن الأئمة عليهم السلام، جميع الأئمة.. كانوا يقرأون دعاءً واحداً إلا هذه المناجاة..
هذا دليل على عظمة هذه المناجاة، بحيث أن الأئمة كلهم يقرأونها.المصدر، بتاريخ 7/3/62 =81 م ج17/264.
ج- ويصل تأكيد الإمام على المناجاة حد اعتباره أنها برنامج عبادي عملي،يتكفل بإيصال من اعتمده، فيقول:
" من يتابع هذه المناجاة الشعبانية ويفكر فيها يصل إلى مكان ما".المصدر، بتاريخ 30/12/66 /87 م وليلاحظ أن جميع النصوص الواردة أعلاه، مأخوذة من مادة للكاتب بعنوان "وصايا الإمام الخميني" تم تدريسها في المركز الإسلامي في بيروت.
ملاحظات هامة:
وفي ضوء ماتقدم من كلمات العلماء،ينبغي تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: أن موجة التفاعل مع المناجاة الشعبانية، القائمة فعلاً في كثير من ديار الإسلام، والمتصاعدة يوماً بعد يوم، ،خمينية الطابع والمنهج.
ثانياً: لا تنحصر بركات المناجاة الشعبانية في حدود شهر شعبان، وإن كان هو موسمها الأساس ويمكن لمن أراد أن يقرأها في اليوم أكثر من مرة.
ثالثاً: لايصح اعتبار المعاني المغلقة في المناجاة أو في غيرها، مبرراً للإعراض عنها بحجة أن الفهم شرط القراءة ،فالصحيح في الطريق إلى فهم المعاني التي هي نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء، أن القراءة - ممن يحرص على الطاعة وطهارة القلب،مع الحرص على النفاذ إلى بواطن اللفظ والمعنى- هي شرط الفهم.
عندما يتحدث الإمام الخميني عن بعض فقرات دعاء كميل" فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك" يقول رضوان الله عليه: " أنا الأعمى القلب لم أستطع أن أعرف ما هو هذا الحب في قلب أمير المؤمنين عليه السلام لله عزّ وجل الذي يجعله يصبر على عذاب الله تعالى ولا يصبر على فراق الله تعالى!
يضيف" ولذلك فأنا أقرأ هذه الفقرة بلسان علي" أي أنّه ينوي في قلبه أنّ الإمام علياً عليه السلام، كان يقول ذلك ثمّ يقرأ العبارة.
وهكذا يتضح أننا إذا لم نعرف بعض المعاني فليس معنى ذلك أن لا نقرأ الفقرات التي تتضمن هذه المعاني وإنما نبذل كل جهد في سبيل الفهم ومنه أن نقرأها بلسان المعصوم الذي ورد الدعاء عنه إلى أن يمنّ الله تعالى علينا بعطاء من عطاياه وهو أكرم الأكرمين.
رابعاً: ينبغي أن يصغي القلب باهتمام إلى ماتقدم عن آية الله الملكي التبريزي،الذي يربط بين المناجاة الشعبانية والعلوم الجمة والكشف والشهود"وعند جهينة الخبر اليقين"،ويدل كلامه عليه الرحمة على أن المؤمن قد يحصل بسببها على علم التوحيد، أو اليقين وغير ذلك من المراتب السامية.
ــــــــــــــ
الهوامش:
(1) أنظر:الإمام الخميني(ترجمة الكاتب لعدد من رسائله) بلسم الروح 46(دار التعارف، ط:2،1412هـ 1992م).بتصرف.
* السيد القائد آية الله العظمى الخامنائي حفظه الله:
مناجاةٌ لا نَظير لها
إنَّ المناجاة الشعبانيّة المأثورة - والتي رُوِي أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يداومون عليها - هي أحد الأدعية التي لا يُمكن إيجاد نَظير لمعانيها العرفانيّة، ولسانها البليغ، ولمضامينها العالية جداً، المليئة بالمعارف الرَّفيعة، على الألْسنة الجارية وفي المحاورات العاديّة، بل ليس مُمكناً أصلاً أن تُنشأ بِمِثل تلك الألْسنة.
إنَّ هذه المناجاة، هي النَّموذَج الكامِل مِن تضرُّع أكثر عباد الله الصالحين قُرْباً واصْطِفاءً، بين يدَي معبوده ومَحبوبه، الذّات الرّبوبيّة المقدَّسة. إنّها مِن جهة درسٌ من المعارف، وهي أيضاً أُسوةٌ في كيفيَّة إظهار الحاجة وطلب الإنسان المؤمِن من الله.
إنّ أدعِية شهر رجَبَ المبارَك، وأدعِية شهر شعبان المبارك - على الخصوص - هي مُقدِّمة لِتهيِئَة الإنسان وإعداده - وبما يَتناسب مع ما في قلبه - لِيذهب إلى ضيافة الله.
إنّ المناجاة الشعبانيّة هي من أَرقى المناجَيات، وأَسمى المعارِف الإلهيّة، ومِن أَعظم الأمور التي يَستطيع - مَن كان مِن أهلها - الاستفادة منها، وحَسَب إدْراكه.
إنّ الأدعية التي وَرَد الحثُّ عليها في شهر رمضان المبارك وشهر شعبان، هي دليلنا نحو الهدف.
* أعزّائي! إنّ شهر رمضان على الأبواب، وبعد أيّام قَلائِل سَيَجلس المؤمنون - مَن لهم الجدارة لذلك - على مائدة الضيافة الإلهيّة. والصِّيامُ بِحَدِّ ذاته، والتوجُّه إلى الله تعالى، والأَذكار والأَدعِية التي غالباً ما تَسْتَهْوي الأفئدة وتَجْتذبها في هذا الشهر، جزءٌ من الضِّيافة الإلهيّة. فاغْتَنِموا هذه المائدة بأقصى مداها، وأَعِدُّوا أنفسكم، فَشَهرا رجب وشعبان شهرا تأهُّب قلب الإنسان لِدخول شهر رمضان، ولم يبقَ من شهر شعبان إلَّا أيّام معدودات.
فيا أعزّائي! ويا أبنائي!
أيّها الشباب الأعزّاء!
اغْتَنِموا هذه الأيّام القلائل، سَلُوا الله تعالى، ويَمِّمُوا قلوبَكم النقيّة نحوه وكلِّموه.
وليس مِن لُغة خاصّة للحديث مع الله جلَّ وعلا، غير أنّ أئمَّتنا المعصومين - الذين ارتَقُوا مراتِب القُرْبِ إلى الله واحدةً تلو الأخرى- قد كلّموا الله بِألْسِنَة مُتميّزة وعلَّمونا سبيل التكلُّم مع الله سبحانه، فهذه المناجاة الشعبانيّة والأدعية الواردة في شهرَيْ رجب وشعبان بمضامينها الراقية، وهذه المعارف الرقيقة والنورانيّة والتعابير الرائعة الإعجازيّة، هذه كلّها وسيلة لنا لِغَرض الدعاء.
25 شعبان 1422ﻫ كاشان
حُجُب النُّور، والظَّلام
سألتُ إمامنا العظيم [الخميني] ذات مرّة: أيَّاً من الأدعية تُرجِّح؟
فذكر منها اثنين: أحدهما المناجاة الشعبانيّة، والآخر دعاء كميل. فهذان الدعاءان يحتويان على مضامين راقية.
* إنَّنا نَتعرّض للصَّدَأ والتَّلَف، فقُلوبنا وأرواحنا يَعتريها الصَّدَأ بِشكلٍ مُستمِرٍّ أثناء مواجهتنا لوقائع الحياة اليوميّة، ولا بدَّ مِن وَضْع هذا الصَّدَأ في الحُسبان وتلافيه بالطُّرُق الصحيحة، وإلَّا لَتَعرّض الإنسان لِلفَناء، فلربَّما يكون الإنسان قويّاً شديداً من الناحية الماديّة والظاهريّة، لكنَّه سَيَفْنى معنويّاً إن لم يَضع التعويض عن هذا التَّلف في الحُسبان.
***
هذه الأدعية ليس من شأنها القراءة فقط، أي ليس أن يَملأ الإنسان الأجواء بصوته ويتفوّه بهذه الكلمات فقط. هذه حالة قشريّة ليس لها شأْنٌ يُذكر؛ بل لا بُدّ أن تَتَناغم هذه المفاهيم مع الفؤاد ويَدخُل القلبُ رحابَها.
إنّ الغاية من هذه المفاهيم الراقية والمضامين البهيَّة بألفاظها الرائعة، هي أن تَستقرَّ في فؤاد الإنسان.
«إلهي هب لي كمال الإنقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك».
أي أللَّهمَّ اجعلني دائم الإتصال والإرتباط بك، وأَدخِلني في حريم عزّك وشأنك، وأَنِر بصيرة فؤادي بحيث تَقوى على النَّظر إليك..
«حتّى تَخرق أبصارُ القلوب حُجُبَ النُّور».
فيَقدر بَصَري على اختراق الحُجُب النوارنيّة كافَّة ويَجتازها، حتّى يَصل إليك، لِيَراك ويَدعوك.
إنّ بعض الحُجُب حُجُبٌ ظُلمانيّة. الحُجُب التي نَتكبَّل بها نحن ونَقَع في أَسْرها ونَتشبّث بها - حِجاب الشُّهرة، حِجاب البطن، حِجاب الحَسَد، وحِجاب التمنّيات - إنَّما هي حُجُبٌ ظُلمانيّة وحيوانيّة، بَيْدَ أنّ ثمَّة حُجُباً أخرى تَعترض الذين يَتخلّصون من هذه الحُجُب وهي الحُجُب النُّورانيّة. فانظروا كم هو سامٍ وراقٍ العُبور من هذه الحُجُب بالنسبة للإنسان. إنَّ أيّ شعب يأنس هذه المفاهيم، ويُورِدُ فؤادَه هذه الرِّحاب، ويُركِّزُ مسيرته وِفْق هذا الميزان، سَيَمضي قُدُماً وتَتصاغَر أمام عينيه الجبال.
وخلال برهة تاريخيّة، تبلوَرتْ لدى شبعنا مثل هذه الحالة فولّدت الثورة الإسلاميّة، فلا تَتصوّروا أنّ هذه الثورة كانت مُتوقّعة. كلَّا، فهي لم تَكن كذلك، وكانت على قَدَرٍ من العَظَمة، فلم يَكن مُتصوَّراً أن يستطيع شعب، وبأيدٍ عزلاء، القضاء على نظام متعفّن فاسد، - لكنّه مدعوم بشكل كامل من قِبَل القِوى الدوليّة الظالمة، ويُمارس الحُكم بأقصى الأساليب الإستبداديّة، وليس بمقدور أحد أن يَنبس بِبنْت شفة - ويُبدِّله بما يعتقد ويؤمن به، أي الإسلام، فلم يكن لِيَخطر بِبَال أكثر النَّاس تفاؤلاً إمكانيّة مثل هذا الأمر، بَيْدَ أنّ شعبنا أَنجَز هذه المهمّة.
لقد شَحَنَت المبادئ المعنويّة والأخلاقيّة والقِيَم الكُبرى هذا الشعب بقوّة، فلم يَستطِع معها أيُّ ضغط أو إملاء، أو تهديد أو حادث مُدبَّر، أن يُثنيه في منتصف الطريق ويوقفه؛ لذلك فقد سار الشعب حتّى النهاية.
الدُّعاء، والحقائق العِلميَّة الخاصَّة
* يوجد في الأدعية المُوثَّقة الكثير من المعارِف التي لا يُمكن أن يَجدها الإنسان في مكان آخر، إلَّا في هذه الأدعية.
ومن جُملة هذه الأدعية، أدعية الصحيفة السجاديّة، وإنّ هناك بعض الحقائق العلميّة التي لا يُمكن أن نَعثر عليها أبداً إلَّا في الصحيفة السجاديّة أو في الأدعية المأثورة عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام).
وإنَّ هذه الحقائق العلميّة قد بانَت من خلال الدُّعاء، وكَوْن هذه الحقائق بانَت من خلال الدُّعاء لا يعني أنّ الأئمّة (عليهم السلام) أرادوا إخفاء هذه الحقائق، بلْ إنَّ طبيعة هذه الحقائق هي طبيعة لا يُمكن بيانها إلا بهذه اللُّغة، ولا يُمكن بيانها بلغة أخرى.
إنّ بعض المفاهيم يَتعذَّر بيانُها إلَّا من خلال لُغة الدُّعاء والتَّضرُّع والتَّحدُّث والنَّجوَى مع الباري عزَّ وجلَّ؛ ولهذا فإنَّنا لا نَجِد مثل هذه المعارف والمفاهيم في الروايات أو حتّى في نَهج البلاغة إلَّا قليلاً؛ أمّا في دعاء كُمَيْل، وفي المناجاة الشعبانيّة، وفي دعاء عَرَفة للإمام الحُسين (عليه السلام)، ودعاء الإمام السجَّاد، ودعاء أبي حمزة الثَّمالي، فإنّه يوجد الكثير من هذه المعارف.
لا تَغفَلوا عن الدُّعاء وتَوَجَّهوا إليه، فإنَّ مسؤوليَّتكم كبيرة؛ ولديكم أعداء ومخالفون كثيرون؛ وهذا هو شأن الحكومة الإسلاميّة في كلِّ زمان.
إنّ حكوماتنا الّتي شُكِّلت في بداية الثورة وبالخصوص الفَتيّة منها - مع أنَّها كانت تحمل الشعارات الصريحة والواضحة المُرتبطة بمبادئ الثورة أكثر ممَّا هي عليه اليوم - كان لها مُعارِضون كثيرون في الخارج وفي الداخل، يُثيرون الأجواء، ويُروِّجون الإشاعات، ويُنمِّقون السلبيّات، ويُلفِّقون الأكاذيب، وأحياناً يَقومون بالإخلال بالأمن في ساحة العمل، وفي الأعمال الميدانيّة.
وإنّ مواجهة هذه الأفاعيل يحتاج إلى مِقدار مِن العَزم والتَّصميم القاطِع، والجِديَّة في العمل، وعدم التقاعُس، والتَّمسُّك بمتابعة العمل، وكذلك يَحتاج إلى شيء من التوسُّل والتوجُّه والتضرُّع وطَلَب المَعُونة من الباري تعالى، وإذا ما طَلَبنا المعونة من الله وتَوَكَّلنا عليه، سَيَبْعث في أنفسنا رُوح التحمُّل.
إنَّ من النِّعَم الكبيرة التي يَهَبها الله تعالى هي أن لا يَعتَري الإنسان التعب، ولا تَنْتابه حالات المَلَل.
في بعض الأحيان يكون للإنسان القابليّة على تَحَمُّل التَّعب الجسدي، فلا تَتعب أعضاؤه؛ إلَّا أنَّه يُمكن أن يَطرَأ عليه التَّعب الرُّوحي في حَرَكته.
إنّ هذا التَّعب الرُّوحي يَمنع الإنسان من الوُصول إلى أهدافه. وللحيلولة دون وقوع التَّعب الرُّوحي - الذي يكون أَخطر من التَّعب الجِسمي أحياناً - لا بُدَّ من الاستعانة بالله، والتوكُّل عليه، والاعتماد على المَعُونة الإلهيّة.
اعلموا بأنَّنا لن نكون أعزَّ على الله من الّذين سَبقونا والذين يَأتون مِن بعدنا، ما لم تكن أعمالنا صالحة وأَكثر تقوى منهم؛ ولو أنَّنا التزَمْنا بالتَّقوى أَكثر، وراقَبْنا أنفسنا أكثر، وقُمنا بأعمالنا ووظائفنا بصورةٍ أفضل، واحتَرَمنا القانون، وبَذَلْنا ما في وسْعِنا من أجل تحقيق أهدافنا، سوف نكون أكثر عزّاً عند الله تعالى. أمّا مع عدم القيام بهذا، فهَيهَات أنْ نحصل على ذلك.
لا بُدَّ أن يكون سَعْيُنا مُنصبّاً على هذا الأمر. احذروا من أن نَقَع في الفخِّ الذي وَقَع فيه غيرُنا.
وأيّ شخص يَقَع في هذا الفخّ، سوف يُبتَلى بما ابتُلي به الآخرون، وسوف تكون عاقِبته كما كانت عواقبهم؛ ولهذا فسوف لا يكون هناك فَرْقاً بيننا وبينهم.
5 شهر رمضان المبارك 1426 هـ طهران
* آية الله الشهيد السيد مصطفى الخميني رحمه الله تعالى:
* "المناجاة الشعبانية التي هي من أرقى الأدعية الإسلامية ، ومن أعلى المناجاة الإمامية ، وهي معجزة دالة على حقانية المذهب والطريقة الجعفرية ، قال ( عليه السلام ) : " وتعرف ضميري ولا يخفى عليك أمر منقلبي ومثواي . . . " إلى آخره .". تفسير القرآن الكريم، السيد مصطفى الخميني: 5 / 175.
منقول للفائدة
تدريب
8584قراءة
2018-04-19 14:50:30