الأُنس بالقرآن في الحجّ
إنّي أذكِّر الحجّاج المحترمين أن لا يغفلوا في جميع المواقف المعظّمة وطيلة فترة
سفرهم إلى مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة عن الاستئناس بالقرآن الكريم، هذه
الصحيفة الإلهيّة وكتاب الهداية، لأنّ كلّ ما عند المسلمين وما سيكون، على طول امتداد
التاريخ الماضي وكذلك في المستقبل، إنّما هو من بركات هذا الكتاب المقدّس، ولذا
أرجو من العلماء الأعلام، وأبناء القرآن، والمفكّرين العظام، أن يستفيدوا من هذه
الفرصة ولا يغفلوا عن هذا الكتاب المقدّس ففيه تبيانٌ لكلّ شيء.
هذا الكتاب السماويّ الإلهيّ الّذي هو الصورة العينيّة والكتبيّة لجميع الأسماء والصفات
والآيات والبيّنات، ونحن عاجزون عن إدراك مقاماته الغيبيّة، ولا يعلم أحد أسراره غير
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، حيث أدركه خلّص الأولياء العِظام
ببركة الذات الإلهيّة المقدّسة والقرآن ينهل منه خُلّص أهل المعرفة، وعلى قدر
استعداداتهم ومراتب سلوكهم بفضل مجاهداتهم ورياضاتهم القلبيّة. والآن وهو في
صورته المدوّنة بعد نزوله بلسان الوحي وصلنا دون نقص أو زيادة حرف، ومعاذ الله أن
يُصبح مهجوراً إلّا أنّ أبعاده المختلفة والّتي ينطوي في كلّ بعد منها على مراحل
ومراتب بعيدة عن متناول البشر العاديّين، ولكنّ أهل المعرفة والتحقيق في مختلف
فروعه وبنسبة العلم والمعرفة والاستعداد لديهم من خلال بياناتهم وخطبهم وأحاديثهم
المتفاوتة،إنّما يقرّبون الفهم من هذه الخزائن اللامتناهية بالعرفان الإلهيّ والبحر الموّاج
للكشف المحمّدي ويقدّمونه للآخرين، وأن يقوم أهل الفلسفة والبرهان ببحث ودراسة
الرموز الخاصّة لهذا الكتاب الإلهي وكشف أصل الأدلّة الفلسفيّة الإلهيّة لإشارات تلك
المسائل العميقة ويضعوها في متناول أهلها. وأن يقوم المستقيمون أصحاب الآداب
القلبيّة والمراقبات الباطنيّة والّذين حصلوا على رشفة وجرعة من عوالم "أدّبني ربّي"
ويقدّموها هديّة لأجل أولئك العُطاشى لهذا الكوثر ويؤدّبوهم بالحدّ الميسور بآداب الله.
ويقدّم المتّقون لعُطاشى الهداية بارقةً من نور التقوى الّتي نهلوها من هذا النبع الفوّار
﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾(البقرة، الآية2)، هديّة لأجل العشّاق الّذين يتحرّقون لنور هداية الله.
من كتاب أبعاد الحج(سلسلة الفكر والنهج الخميني قدس سره)
الأنشطة الثقافية
1365قراءة
2016-01-07 08:53:04