الإتقان
﴿...صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾
كما أشارت الآية الكريمة، فإنّ الإتقان هو حالة متكاملة بين جميع أفرادها. فعلى سبيل المثال، إنّ الكتاب المتقن هو الكتاب الذي أُتقنت كافّة خصائصه، في موضوعه وشكله وإخراجه ونوع خطّه وحجمه وسلاسة عبارته وتماسك فقراته وحجمها، وغير ذلك من عشرات المسائل الأخرى التي يعتبر التفريط بها أو بأيٍّ منها خروج الكتاب عن إتقانه، وكذلك الكلام في المحاضرة والمؤتمر والجلسات والسهرات العلمية والدروس الدينية والأنشطة والمناسبات وغير ذلك ممّا يمكن عدّه وإحصاؤه.
الإتقان في رواية :
عندما توفّي سعد بن معاذ لَحَده رسول الله (ص)، وفي ذلك يقول الإمام الصادق (ع): "إنّ رسول الله (ص) نزل حتى لحد سعد بن معاذ وسوّى اللبن عليه وجعل يقول: ناولني حجراً، ناولني تراباً رطباً، يسدّ به ما بين اللبن، فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه وسوىقبره قال صلى الله عليه وآله وسلم: إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء، ولكنّ الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه".
ومن اللافت هنا عدّة أمور:
1- أنّ العمل الذي حرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إتقانه إنما كانت نتيجته تحت الأرض وليست ظاهرة للعيان، وذلك لأنّ الإتقان ليس أمراً تفعله ليراه الآخرون ويمتدحوك عليه، بل هو خصلةٌ وفضيلةٌ تتميّز بها ولا تشعر ببراءة ذمتك أمام الله دون إنجازها.
2- يعلّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الإتقان يعني أن لا تنظر إلى مآل الفعل في المستقبل، فهو قال بصريح العبارة إنه يعلم جيداً أنّ مصير هذا التراب المتراكم سيؤول إلى البلاء، إلا أنّ إتقان العمل أمرٌ مطلوب بذاته، فلو نظر المرء إلى مستقبل الأشياء قبل فعلها وما ستؤول إليه لبقي الجميع جلساء منازلهم لا يقومون بأيّ عمل.
3- أنّ الله تعالى كما يحبّ العمل المتقن فإنه يحبّ العبد الذي يتقن عمله، لأنّ الإتقان بلا شكّ خلاصة الكثير من الخصال والمزايا التي يتميّز بها الإنسان، فالإنسان الفوضويّ أو غير المنظّم أو الذي لا يراعي حرمة الوقت وحريّات الآخرين ولا يتمتع باللياقة المطلوبة والبعد الإنساني لا يمكن أن ينجز عملاً متقناً ومحكماً.
وفي الختام لا بدّ من الإشارة إلى مسألة وهي أنّ إتقان العمل لا يعني عدم تطويره بشكلٍ دائم ومستمرّ فإنّ ما يعتبر أمراً متقناً هذا العام لا يعني أنه كذلك بعد هذا العام، بل يجب استقبال كافّة الملاحظات الواردة بشأنه ومحاولة تداركها فيما بعد حتى يبقى هذا العمل محافظاً على مستواه وإتقانه.
تنمية مجتمع
1228قراءة
2016-01-05 22:53:53
تنمية مجتمع |