شتروا بقرته بالذهب لأنّه كان باراً بوالدته
كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل، وكان له عجل، فأتى بالعجل إلى غيضة[1] وقال: اللهم إني استودعتك هذه العجلة لابني حتى يكبر، ومات الرجل فشبت العجلة في الغيضة وصارت عوانا، وكانت تهرب من كل من رامها، فلما كبر الصبي كان بارا بوالدته، وكان يقسم الليلة ثلاثة أثلاث: يصلي ثلثا، وينام ثلثا، ويجلس عند رأس أمه ثلثا، فإذا أصبح انطلق واحتطب على ظهر، ويأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه، ويأكل ثلثه، ويعطي والدته ثلثاً، فقالت له أمه يوماً: إن أباك أورّثك عجلة وذهب بها إلى غيضة كذا واستودعها، فانطلق إليها وادعُ إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أن يردها عليك، وإن من علامتها أنك إذا نظرت إليها يُخيّل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفوتها وصفاء لونها، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال: أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه، فقبض على عنقها وقادها، فتكلّمت البقرة بإذن الله وقالت: أيها الفتى البار والدته اركبني فإنّ ذلك أهون عليك، فقال الفتى: إن أمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت: خذ بعنقها، قالت البقرة: بإله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي أبداً فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بوالدتك، فصار الفتى بها فاستقبله عدو الله إبليس في صورة راعٍ فقال: أيها الفتى إني رجل من رعاة البقر، اشتقت إلى أهلي فأخذت ثوراً من ثيراني فحملت عليه زادي ومتاعي حتى إذا بلغت شطر الطريق ذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وما قدرت عليه، وإني أخشى على نفسي الهلكة، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين مثل بقرتك فلم يفعل الفتى وقال: اذهب فتوكل على الله، ولو علم الله تعالى منك اليقين لبلغك بلا زاد ولا راحلة، فقال إبليس: إن شئت فبعنيها بحكمك، وإن شئت فاحملني عليها وأعطيك عشرة مثلها، فقال الفتى: إن أمي لم تأمرني بهذا، فبين الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يدي البقرة ونفرت البقرة هاربة في الفلاة ، وغاب الراعي ، فدعاها الفتى باسم إله إبراهيم فرجعت البقرة إليه ، فقالت : أيها الفتى البار بوالدته ألم تر إلى الطائر الذي طار ، فإنه إبليس عدو الله اختلسني ، أما إنه لو ركبني لما قدرت علي أبدا ، فلما دعوت إله إبراهيم جاء ملك فانتزعني من يد إبليس وردني إليك لبرك بأمك وطاعتك لها، فجاء بها الفتى إلى أمه فقالت له: إنك فقير لا مال لك، ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل، فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها، قال لامه: بكم أبيعها؟ قالت: بثلاثة دنانير ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي، وكان ثمن البقرة في ذلك الوقت ثلاثة دنانير، فانطلق بها الفتى إلى السوق فعقبه الله سبحانه ملكاً ليري خلقه قدرته، وليختبر الفتى كيف بره بوالدته، وكان الله به خبيراً، فقال له الملك: بكم تبيع هذه البقرة؟ قال: بثلاثة دنانير، وأشترط عليك رضى أمي، فقال له الملك: ستة دنانير ولا تستأمر أمك، فقال الفتى: لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلا برضى أمي، فردها إلى أمه وأخبرها بالثمن، فقالت: ارجع فبعها بستة دنانير على رضى مني، فانطلق الفتى بالبقرة إلى السوق فأتى الملك فقال: استأمرت والدتك؟ فقال الفتى: نعم إنها أمرتني أن لا أنقصها من ستة دنانير على أن أستأمرها، قال الملك: فإني أعطيك اثني عشر على أن لا تستأمرها، فأبى الفتى ورجع إلى أمه وأخبرها بذلك، فقالت: إن ذاك الرجل الذي يأتيك هو ملك من الملائكة يأتيك في صورة آدمي ليجرّبك، فإذا أتاك فقل له: أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ ففعل ذلك فقال له الملك: اذهب إلى أمك وقل لها: امسكي هذه البقرة فإنّ موسى يشتريها منكم لقتيل يُقتل في بني إسرائيل فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير، فأمسكا البقرة وقدر الله تعالى على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها مكافاة على بره بوالدته، فضلاُ منه ورحمة، فطلبوها فوجدوها عند الفتى فاشتروها بملء مسكها ذهباً، وقال السدي اشتروها بوزنها عشر مرات ذهبا .
المصدر: تفسير الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل
[1] - الغيضة هي مجتمع الشجر في مغيض الماء.
الأنشطة الثقافية
1107قراءة
2016-01-07 13:34:43