الجهاد عامل إصلاح النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
الجهاد عامل إصلاح النفس
كان رجلاً عابداً ويتسم بالزهد والتقوى، ويؤدي جميع العبادات الواجبة والمستحبة، ولم يبقَ من ذلك سوى فريضة الجهاد. ففكر ذات يوم أنه ما دمنا أدينا جميع العبادات فينبغي أن لا نحرم من ثواب الجهاد أيضاً، وإنه إذا كان عمرنا قد شارف على الإنتهاء، فالأجدر بنا أن لا نغفل عن هذا الأجر الكبير.
وبهذا الدافع قال لجندي ذات يوم:
إننا محرومون من ثواب الجهاد، فهل يمكن أن تخبرنا إذا ما حان موعده؟ قال الجندي: لا مانع، سأخبرك في الوقت المناسب.
وبعد فترة جاء وأخبره أن هيء نفسك، وعجل ما أمكنك، لسوف نتوجه للجهاد_ بعد غد مثلاً_ لأن الكفار قد أغاروا على أرض المسلمين ونهبوا أموالهم وقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم في المنطقة الكذائية.
فبادر العابد على الفور إلى ارتداء لامة الحرب، وحمل سيفه، وتحرك معهم. وفي منطقة ما نزلوا من الخيول وربطوها وعسكروا فيها، بيد إنه وعلى حين غرة نودي: إن العدو قد وصل، فسارعوا إلى التصدي له.
فما كان من الجنود المجربين إلا أن تلاقفوا سيوفهم وتوجهوا لملاقاة العدو بسرعة البرق، غير إن الزاهد_ الذي كان وضوءه يستغرق نصف ساعة وغسله ساعة، إلى أن حرك نفسه وأخذ يبحث عن حذائه وهيأ فرسه وسيفه، كان أصحابه قد ذهبوا وقاتلوا وقتلوا فريقاً وقتل منهم فريق وأسروا آخرين وعادوا.
فحزن المسكين بشدة أن حرمنا أيضاً من هذا الثواب، وحدث نفسه أن: يا لسوء الحظ، لم نوفق لذلك، فما العمل؟
وجيء له بأحد أسرى العدو، وكان مقيداً، وقيل له: إن هذا الذي تراه قد قتل من المسلمين وارتكب من الجرائم من الكثرة بحيث إننا لا نعرف له لحد الآن عقاباً سوى القتل.
والآن ومن أجل أن تنال الأجر والثواب، ما عليك إلا أن تأخذه إلى خلوة وتقطع رأسه.
وسُلم الأسير له بالإضافة إلى سيف، فساق الأسير وتوجه به إلى خربة في الخلف كي يقطع رأسه هناك ويعود.
مضت فترة من الوقت دون أن يرجع الزاهد، فقال بعض الجنود: اذهبوا لتروا لماذا أبطأ الزاهد.
فذهبت جماعة للبحث عنه. ولما وصلوا إلى الخربة التي كان الزاهد قد ذهب إليها، لاحظوا بكل دهشة الزاهد مغشياً عليه على الأرض وفوقه الأسير منهمك، وهو مربط اليدين، في محاولة قطع شريان عنقه بأسنانه!
فسارعوا إلى الإمساك بالأسير فقتلوه، وجاءوا بالزاهد إلى الخيمة، وعندما عاد إلى وعيه سُئل كيف حدث ذلك؟
قال: والله لا أعرف كيف. فما أن أوصلته إلى الخربة وقلت: أيها الملعون، يا قاتل المسلمين، أطلق صرخة فأغشي علي، ولم أعرف بعدها ماذا حدث.
الخلاصة : إن مسألة الجهاد عامل تربوي لا بديل عنه، أي إنه لا يمكن أن يتساوى المؤمن المجاهد مع المؤمن غير المجاهد من حيث المعنويات، فذلك شيء مستحيل.
فالإنسان أحياناً يصبح في موقف يكون فيه وجهاً لوجه مع العدو المسلح والمتوثب، ومن أجل الحفاظ على إيمانه، لا بد له أن يرمي بنفسه في فم الموت. والأثر الذي يتركه هذا العامل في تربية وتهذيب الإنسان يساويه أي عامل آخر.
إن الذي لم ير ميدان الحرب ولم يجربه ترتعد فرائسه بأدنى إخافة ويغشى عليه، حتى وإن كان قد أدى جميع العبادات، وعند ذاك تدرك معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):" من لم يغز ولم يحدث نفسه بغزو ومات، مات على شعبة من النفاق".
لقد اعتبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الغزو عاملاً لإصلاح الأخلاق وعاملاً لإصلاح النفس.
والحمد لله رب العالمين
الأنشطة الثقافية
1075قراءة
2016-01-07 13:44:05