السعادة الحقيقية
بسم الله الرحمن الرحيم
السعادة الحقيقية
يعتبر البحث حول الانسان من أقدم البحوث التي شغلت الكثير من العلماء والمفكرين على مر العصور، فجالوا يتعرفون على حقيقة هذه الظاهرة وأسرارها، وعن ماذا تبحث؟ والى أين تريد ان تصل؟ ...
فخرجت الأبحاث والكتب المستفيضة التي تحاول قدر الإمكان كشف اللثام عن هذه الحقيقة.
إلا أن التوفيق لم يكتب إلا لأولئك الذين بحثوا عنها وطلبوها من مكانها الصحيح، متوجهين إلى بارئ هذا الإنسان وخالقه ليعرّفهم على حقيقة أنفسهم.
من يكونون؟ وإلى أين هم صائرون؟ من أين أتوا؟ ماذا ينبغي عليهم فعله؟
كل هذه الأسئلة لم يجب عليها إلاّ الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى ليعلّموا الناس ويرشدوهم إلى الطريق الصحيح.
فكشفوا للناس حقائق الوجود وأسراره وحدّدوا لهم الطريق الذي يوصلهم الى السعادة والكمال حيث لا سعادة أرقى منها، ولا كمال أكمل منه، لأنّ هذه السعادة وهذا الكمال من عند الله، وما عند الله لا يفنى ولا يزول {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}.
لكنّ أكثر الناس أعرضوا عن جادة الطريق وابتغوا لأنفسهم طريقاً هم ابتدعوه وأصبحوا يهدون الناس إلى الضلال والكفر واتّباع الأهواء والنفس الامارة. ولم يتمسكوا بكتاب الله ورسله وأوليائه.
ما هو هدفك في الحياة؟
لا شك أنك إنسان واع ومدرك، تبحث عن الحقيقة، حقيقة وجودك في هذا العالم. فتحت عينيك.. كبرت ..وترعرعت..وكبرت تساؤلاتك يوما بعد بعد يوم.
من أين أتيت؟
الى أين أنا ذاهب؟
ما معنى وجودي في هذا العالم؟
كل هذه الاسئلة تدور في نفسك وتبعثك على التفكير. فأنت تشعر أن لوجودك معنى ولا ترضى بأن تكون حياتك عبثاً.
كل شيء حولك منظم، وقد وضع في مكانه الصحيح بشكل هادف، فحبة القمح تُدسّ في التراب ثم تكبر لتصبح سنبلة ذهبية نافعة، ولكن أنت ماذا ستصبح؟ فهل ترضى بأن تكون حياتك كالذين يعبثون في هذه الحياة لا يأبهون إلى مصيرهم الأسود؟.
الله تعالى أنعم على الإنسان بنعمة العقل، وميّزه به عن سائر المخلوقات. فالحيوان لا يمتلك إلا اشباع غرائزه أما الإنسان فبالاضافة إلى عقله زوّده الله برغبة فطرية تطلب الكمال والسعادة {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن اكثر الناس لا يعلمون}، وكل من تأمل في نفسه جيداً يرى أنها تسعى لتحقيق سعادتها وكمالها.
فميلك نحو الطعام هو من الرغبات المتعلقة بالجسد، وسبب ذلك هو حاجة الجسد للطعام، وهذا الشعور يدفعك الى تناول الطعام.
في حين أنك لو نظرت إلى عالم الروح، فسوف تكتشف أنك تمتلك ميولاً ورغبات أقوى وأشد من تلك المتعلقة بالجسد، فهي ليست محدودة بإطار الجسد المحدود، بل هي رغبات ثابتة ودائمة وموجودة عند كل البشر وعلى مر العصور، ولا تعرف الشبع أبدا!
فإذا نظرنا إلى أحوال الملوك والرؤساء الذين يطلبون القدرة والسيطرة، نجدهم لا يكتفون عند حد معين بل يطلبون المزيد من القدرة فيغزون بلاداً ويستولون على أراضي الناس فيظلمونهم .....وكل ذلك ظناً منهم أنهم يحققون الكمال والسعادة.
والذي يطلب المال ويعتبر سعادته وكماله في جمعه، فإنّه لا يكتفي بمقدار معين حتى يجمع ثروات طائلة وبكل الوسائل المتاحة أمامه، ومع ذلك لو نظرت إلى أعماق نفسه تجده يطلب شيئأ آخر غير الذي وصل اليه.
هؤلاء المساكين اعتقدوا أنّ كمالاتهم تكمن في الاستيلاء على الممالك، أو جمع الثروات، أو مصاحبة النساء - عند الرجال - وغير ذلك من الامور الدنيوية التي لا تحقق سوى لذات محدودة سرعان ما تنتهي وتبعث في نفس صاحبها الكآبة والأسى.
فالإنسان يبحث عن سعادة لا تزول ولا تشوبها الآلام.
ولكن أين تكمن هذه السعادة؟
وكيف وهل يستحيل الوصول إليها؟
لو تأملت أيها الإنسان وتفكرّت جيداً، تجد أنّ الوحيد القادر على إشباع هذه الميول والوصول بها الى غايتها المنشودة هو خالقها. فهو يعرف علاجها وما يشفي غليلها، لأنه سبحانه وتعالى- هو الكمال المطلق الذي لا يُحد، والذي يستطيع أن يؤمن السعادة المطلقة والأبدية لفطرتك التي تعشق هذا الكمال وتطلبه.
{يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد}
يقول الامام الخميني "قده" في كتاب الاربعين حديثاً:
"ان الانسان إذا فكّر لحظة واحدة، عرف أن الهدف من هذه النعم هو شيء آخر، وأنّ الغاية من هذا الخلق أسمى وأعظم، وأن هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحد ذاتها، وأن على الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه، وأن يترحّم على حاله ونفسه المسكينة، ويخاطبها قائلاً:
أيتها النفس الشقية التي قضيت سنيّ عمرك الطويلة في الشهوات، ولم يكن نصيبك سوى الحسرة والندامة، ابحثي عن الرحمة واستحي من مالك الملوك، وسيري قليلاً في طريق الهدف الأساسي المؤدّي إلى حياة الخلد والسعادة السرمدية، ولا تبيعي تلك السعادات بشهوات أيام قليلة فانية، التي لا تتحصل حتى مع الصعوبات المضنية الشاقة. فكري قليلاً في أحوال أهل الدنيا، من السابقين واللاحقين وتأملي متاعبهم وآلامهم كم هي أكبر وأكثر بالنسبة الى هنائهم، في نفس الوقت الذي لا يوجد فيه هناء وراحة لأي شخص".
خاتمة: عليك أن تطلب السعادة والكمال منه فهو الذي يوصلك إليها، وهو أمر قد حدده الله عز وجل ورسله والأئمة (عليهم سلام الله) فالله تعالى شخص لنا السعادة { تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } وفي آية أخرى { تريدون عرض الحياة الدنيا والله يريد الاخرة }.
فالله تعالى يبيّن لنا أنّ السعادة لا تتحقق من خلال اللجوء إلى الدنيا وشهواتها، بل تكون من خلال معرفته والتقرب إليه ويتم ذلك بالالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية التي تبين ما يريده الله لنا وما ينهانا عنه. فطاعة الله والتسليم المطلق له هو الطريق الموصل اليه تعالى وهو أعلى مقام للانسان وهو مقام العبودية له سبحانه وتعالى.
والحمد لله رب العالمين
الأنشطة الثقافية
1027قراءة
2016-01-07 13:56:09
doha tarhini |