12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

الموضوعات الدينية المتنوعة >> صرير القلم..مع الإمام الخميني قدس سره

المطالعة وكثرة المشاغل
لم يكن يرى من وراء الكتب أحياناً منذ اليوم الأول الذي وعيت فيه نفسي، كنتُ أرى الإمام غارقاً بين كتبه. فكثيراً ما كان يحدث أن أدخل غرفة الإمام حاملاً له الشاي، فأجده منشغلاً بالمطالعة وكتب كثيرة مفتوحة موزّعة من حوله.. كانت الكتب بدرجة من الكثرة بحيث لم يكن بالإمكان رؤية الإمام من وراء الكتب .. الإمام يقضي معظم وقته في المنـزل، وكان منهمكاً بالمطالعة دائماً. وقد اعتاد على الخروج من المنـزل قبل ساعة ونصف على وقت الغروب متوجّهاً إلى حلقة درسه1.
كان يُحبّ المطالعة
الإمام يُحبّ المطالعة عموماً، ولا يزال لحدّ الآن لا يكفّ عن المطالعة حتى تتعب عيناه.. وأتذكّر عندما كنّا نأتي في الصيف إلى طهران، كان ينكبّ على مطالعة الكتب المتنوّعة إلى الحدّ الذي يُثير اعتراض ممن جلبوا له هذه الكتب. وممّا يُذكر في هذا الصدد أنّ سماحته قرأ معظم مؤلّفات كبار الكتّاب في العالم، في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية، وكان من أكثر علماء الدين قراءة.. لقد قرأ تاريخ إيران كراراً، وأحاط بتاريخ الحركة الدستورية جيّداً2.
البقاء مستيقظاً بعد صلاة الفجر
في حدود علمي، إنّ أوقات مطالعة الإمام كانت بمعزل عن أوقات الترفيه. ونظراً لأنّ الإمام إنسان منظّم أساساً وتتّسم كلّ أعماله بالترتيب والانضباط، لذا فمن الطبيعي أن تكون مطالعاته منتظمة أيضاً.. وما أتذكّره منذ فترة الطفولة، هو أنّ الإمام كان يقرأ كثيراً. وعندما كنّا نستيقظ في الصباح كنّا نرى سماحته مستيقظاً، وكانت والدتي تقول: لقد اعتاد على البقاء مستيقظاً بعد صلاة الفجر3.

لم يكن يُرى بين الكتب كانت مطالعات الإمام كثيرة جدّاً، حتى أنّه عندما كنتُ أدخل غرفته، كنتُ أراه غارقاً بين الكتب.. كان يجلس وأمامه طاولته الصغيرة، وكانت الكتب موزّعة من حوله على ارتفاع متر واحد. حتى أنّ سماحته لم يكن يُرى من وراء الكتب. وكثيراً ما كان يمزح البعض قائلاً: السيّد متسمرّ في مكانه.. حتى الأصدقاء الذين كانوا يأتون لرؤيته، كان يلتقيهم على هذه الحالة. والطريف هو عندما كان يريد الشاي، كان يضرب بالملعقة على الصحن الصغير أو بقدح الشاي. وعندما يحين وقت الغداء، كان ينهض ويخرج من غرفته4.
لم يكن ينام أكثر من ساعتين أو ثلاث
الإمام وفضلاً عن إصدار البيانات والخطابات، كان ينكبّ على كتابة الرسائل إلى العلماء في كافّة أنحاء البلاد. وكان المرحوم الحاج السيّد مصطفى يقول: إنّ السيّد (الإمام) لم يكن ينام الليل أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات خلال أحداث مجالس الأقاليم والولايات التي شهدتها البلاد عام 1341هـ.ش (1962م)، وكيف أنّه كان يمضي بقية الليل في كتابة الرسائل إلى علماء الدين في مختلف أنحاء البلاد. وفي هذا الصدد أستطيع القول بأنّ الإمام كتب مئات الرسائل إلى علماء الدين في الأقاليم يلفت أنظارهم إلى المخاطر التي تُهدّد العالم الإسلامي. وكان يتناول بالشرح والتوضيح مخطّطات أميركا وإسرائيل، وكيف أنّهما يُخطّطان لإقصاء الإسلام من مسرح الأحداث. وإنّ بعض هذه الرسائل كان يُطبع ويوزّع، وكان ذلك يترك تأثيراً كبيراً ويُثير ضجّة ملفتة. وإنّ إحدى هذه الرسائل - حسبما أتذكّر - كانت موجّهة إلى السيّد فلسفي، وقد قام بقراءتها من على المنبر في مسجد (ارك)، وكنتُ أنا حاضراً في ذلك المجلس. فعندما قال: أمّا رسالة آية الله الخميني. ساد الصمت المجلس واشرأبت الأعناق لسماع ما سيقوله.. هكذا كانت رسائل الإمام تستحوذ على اهتمام الناس وتحظى بتوجّهاتهم. وكان الإمام قد أورد في نهاية الرسالة سورة الفيل كاملة. وعندما قرأ السيّد فلسفي السورة، التهب حماس الناس بشكل أخذوا يُردّدون معه المفردة الأخيرة من كل آية بصوت واحد.. مثلاً عندما كان السيّد فلسفي يقول: (بأصحاب الفيل)، (في تضليل)، كان الحضور يُكرّرون معه بصوت واحد: (الفيل)، (تضليل).. باختصار، اتخذت رسالة الإمام هذه التي قرأت في مسجد (ارك)، حالة من الأنشودة الجماعية وقد ألهبت مشاعر الحاضرين5.
كان إمّا في حالة عبادة أو مطالعة بعد وصول الإمام إلى النجف، استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى جاءت أسرته. وكان سماحته يُقيم في منـزل متواضع تمّ استئجاره. فكان يُقيم في جانب منه، وخصّص الجانب الآخر لشؤونه العامّة. وطوال الوقت كان الإمام إمّا في حالة عبادة أو مطالعة. فالنظم والترتيب اللذان كانا حاكمين على حياة الإمام، كانا بمثابة درس مهم بالنسبة للذين كانوا يتردّدون على القسم الخارجي من منـزل الإمام، وكانوا يرون ذلك عن كثب6.

قرأ معظم الروايات المعروفة
لم يجد الإمام هذه الأيام الفرصة لقراءة الكتب الأدبية والثقافية، بيْدَ أنّه عندما كان في النجف، ربما كان يقرأ مئات الصفحات في اليوم من الروايات وكتب العلوم الاجتماعية. فقد كان يأتي بالعديد من الكتب يتصفّحها، حيث يقرأ من أحدها عشرين صفحة ومن ثان عشر صفحات، ومن ثالث خمس عشرة صفحة وهكذا. ومن المعلوم أنّ سماحته قرأ معظم الروايات المعروفة والكتب السياسية والاجتماعية. فقد قرأ كتاب (نظرة إلى تاريخ العالم) لجواهر لآل نهرو، وقرأ من الكتب التاريخية كتاب (زوج آهو خانم) من الغلاف إلى الغلاف.. عموماً أريد أن أقول إنّ الإمام كان يقرأ هذا النوع من الكتب7.
تنوّع المطالعات
ثمّة مطالعات في التاريخ والتفسير وكتب الأخلاق والحديث، شكّلت جانباً من اهتمامات الإمام. وكان سماحته يدوّن أحياناً بعض الملاحظات خلال قراءاته لهذا النوع من الكتب، وكان يستشهد بها في الموضع المناسب8.
لم يكن يغفل عن قضايا إيران
فيما يختصّ بقضايا النضال، لم يكن الإمام يغفل عن متابعة القضايا والأحداث التي تجري في إيران، رغم انشغاله بالبحوث والتأليف والتدريس. ونظراً لأنّي كنتُ آنذاك المسؤول عن الشؤون السياسية، فقد كان سماحته يؤكّد دائماً على ضرورة اطلاعه على الأخبار أوّل بأوّل، وكان يرصد ما يجري في إيران بدقّة متناهية. فأحياناً كنّا نرى الإمام ينهض في منتصف الليل ويكتب بياناً، ويأخذ الإخوة البيان ويصوّرونه ويطبعونه بالخفاء، ومن ثم إرساله إلى طهران. وعندما كنّا نُطلع سماحته على أنّ البيان قد وصل إيران، كان يبتهج لذلك9.

النظم اليومي في باريس رغم المشاغل الكثيرة
في باريس كان لدى الإمام، فضلاً عن الأحاديث العامّة ولقاء الطلبة الجامعيين والفئات الأخرى، التي كانت تتكرّر أكثر من مرّة في اليوم الواحد، كان لديه شؤونه الخاصّة من قبيل: الردّ على الاستفتاءات والأسئلة الشرعية،
والاطلاع على الأخبار والتحليلات البارزة التي تنشر في الصحافة الأجنبية، إضافة إلى متابعة التقارير الواصلة من إيران بشأن أحداث الثورة، وقراءة الرسائل التي تصله من الشخصيات السياسية والدينية من داخل إيران وخارجها، والردّ على الهام منها، ناهيك عن اللقاءات والمقابلات الصحافية، وكتابة البيانات والنداءات وفقاً لتتابع أحداث الثورة، إضافةً إلى أداء الفرائض والنوافل وتلاوة جزء من القرآن يومياً على مدى ثماني فترات، ولقاء الأسرة وأفراد المنـزل10.
برنامج يوم كامل في باريس
إذا ما أردنا التعرّف على برنامج عمل يومٍ كامل من وجود الإمام في باريس، فهو على النحو الآتي: كان الإمام ينام ما بين أربع إلى ستّ ساعات، أمّا بقيّة الوقت فقد كان منهمكاً بالعمل بشكل متواصل.. إذ اعتاد بعد صلاة الصبح، أن يتلو القرآن ويطّلع على الأخبار والتقارير حتى الساعة الثامنة. وكان يردّ على الرسائل التي تصل إليه من مختلف أنحاء العالم.. وبعد تناول الغداء، كان يخلد إلى النوم لمدّة ساعتين تقريباً، وبعدها ينشغل بمهامّه القيادية حتى يحين وقت صلاتي المغرب والعشاء.. كما أنّه كان يعمل - بعد الفراغ من الصلاة - حتى منتصف الليل. وحسبما يذكر المقرّبون من سماحته، بأنّ الإمام كان يذهب للنوم في الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل11.
كان يعمل ليل نهار في فرنسا
كان الإمام في فرنسا يعمل ليل نهار. فلم يمرّ يوم دون أن يتحدّث إلى المحيطين به، أو يُجري مقابلة، أو يُصدر بياناً. حتى أنّ الذين كانوا يقابلون سماحته، كانوا يقولون: قلّما رأينا مثله.. فقد قال أحدهم: في غرفة لا تزيد أبعادها على 2×3م، يقيم رجل دين بمعزل عن أيّ تعارفات ومن دون طاولة وكراسي، وإذا ما تحدّث تتبعه إيران بأسرها بالتحرّك والانتفاضة12.

يسمع صرير القلم والورق في منتصف الليل
لم يكن الإمام ينام في فرنسا أكثر من أربع ساعات على مدى الأربع والعشرين ساعة، استجابة لمتطلّبات قيادة الثورة. وكان يذهب إلى سريره في الساعة الثانية عشرة أحياناً. ومع ذلك يتنادى إلى أسماعنا فجأة، بعد الثالثة من منتصف الليل، صرير القلم والورق من داخل غرفته.. وكان يحدث أحياناً إنْ لم يتسنّ له الاطلاع على ملخّص الصحف التي تمّ ترجمتها نظراً لكثرة مشاغله في النهار، فكان يتمّ تجهيزها في آخر الليل كي يتسنّى لسماحته الاطلاع عليها متى ما سنحت له الفرصة13.
لم أرَ الإمام بلا عمل مطلقاً
إنّ مثابرة الإمام في العمل، رغم كهولة سنّه، كانت محطّ حيرة ودهشة
المحيطين بسماحته. فليس بوسع أحد أن يزعم بأنّه قد رأى الإمام - ولو مرّة واحدة - عاطلاً عن العمل، أو يمضي الوقت بلا هدف.. إنّني وطوال الفترة التي كنتُ فيها في خدمة الإمام، قد شهدتُ عن كثب بأنّه لا يوجد في حياة الإمام شيء اسمه فراغ من عمل الشعب وتوجّهات الثورة الإسلامية .. بالنسبة للإمام، ليس هناك فرق بين الصيف والشتاء، السبت والجمعة، العيد وغير العيد. فقد كان يمضي الوقت إمّا في العبادة أو المطالعة والاطلاع على التقارير التي كانت تصل سماحته14.
حقّقوا في هذا الموضوع
في أوائل الثورة، كانت هناك صحيفة أو مجلّة لكلّ فئة وجماعة. وكان الإمام يقول: هاتوا بها كلّها.. وخلافاً للتقليد المتّبع في قراءة الصحف، حيث يكتفي الكثيرون بالتعرّف على العناوين دون الخوض في التفاصيل، كان الإمام يهتمّ بالطريقة التي يُفكّر بها الصحفي وتوجّهاته السياسية. ولهذا كانت توضع تحت تصرّفه صباح كلّ يوم بشكل منتظم ودقيق، صحف من قبيل: الميزان، جمهوري إسلامي، آزاكان. كذلك الصحف المسائية من قبيل صحيفة الثورة الإسلامية، واطلاعات وكيهان. وإذا ما تأخّرت الصحف كان الإمام يأتي ويسأل عنها. وعلى الرغم من أنّ أخباراً مؤلّمة كانت تُنشر في العديد من الصحف، وكنّا نتحفّظ في تقديمها للإمام، غير أنّ حرص سماحته على قراءة معظم الصحف كان يحول دون ذلك. وفي كثير من الأحيان كان يقتطع أجزاء من الصحف ويطلب من أعضاء المكتب قائلاً: حقّقوا في هذا الموضوع، ونبّهوا المسؤولين إليه. أو محاولة الاستفسار عن سبب تطرّقهم إلى هذا الموضوع؟15.
عمر الإمام المبارك
كنّا قد شهدنا مراراً بأنّ الإمام كان يحرص أثناء فترة المشي المسائية، التي كان يعتبرها رياضة وعملاً مهمّاً وضرورياً للحفاظ على سلامته، كان يحرص على الإمساك بالمسبحة بيده والانشغال بذكر الله. وكان في يده الأخرى جهاز راديو صغير يتعرّف من خلاله على ما يجري داخل البلاد وخارجها. وفي هذا الصدد يُمكن القول إنّ عمر الإمام الحقيقي ليس سبعة وثمانين عاماً، وإنّما كان أضعاف ذلك من الناحية العملية16.
تعريف الدقيقة
لم يكن الإمام يُضيّع وقته هدراً مطلقاً. وقد رأينا مراراً كيف أنّ سماحته كان ينشغل في الدقائق المعدودة التي كان يستغرقها إعداد المائدة، في المطالعة وتلاوة القرآن، دون أن يدعها تمضي هدراً. ومما يذكر في هذا الصدد أنّي كنتُ عند سماحته مرّةً لأمرٍ ما، وبعد الانتهاء منه، نظر إلى ساعته وقال: "هل تستطيع أن تُعرّف الدقيقة؟". وفيما كنتُ أُفكّر بالإجابة انقضت الدقيقة، والإمام أدار مفتاح الراديو، وانتبهت فجأة بأنّ سماحته كان يريد أن لا يُضيّع حتى دقيقة واحدة دون عمل، لأنّه قد اعتاد على الاستماع إلى موجز الأنباء في الموعد المحدّد17.
كان يتلو القرآن في كلّ وقت بعد الانتهاء من صلاتي الظهر والعصر، كان الإمام يستعدّ لتناول الغداء. وخلال المدّة القصيرة التي كان يستغرقها تحضير المائدة، كان يتناول القرآن ويقرأ فيه، حتى وإن كانت هذه الفترة لم تزيد أحياناً عن دقيقتين18.
كان يستثمر كلّ وقته
كان الإمام يستثمر أوقاته إلى أقصى حدٍّ ممكن. مثلاً إذا ما قيل له، بمثابة نصائح طبّية، بأنّ المشي مفيد لسلامتكم، فإنّ سماحته وضمن ممارسة المشي كان يستغلّ الوقت لأداء عمل آخر. على سبيل المثال، أثناء فترة المشي الصباحية كان يحمل معه راديو صغير ويستمع إلى وقائع جلسات مجلس الشورى. أو أنّه كان يستمع إلى الإذاعات الأجنبية خلال الفترة المسائية، أو يقرأ الصحف وهو يتمشّى.. كان سماحته يؤدّي أكثر من عمل في وقتٍ واحد. ففي الوقت الذي يعمل بنصائح الأطباء، كان ينتهز الفرصة للاطلاع على الأخبار والإحاطة بالأحداث19.
الاستثمار الكامل للوقت حتى في ذروة المرض
لم يكن الإمام يغفل عن المطالعة وتلاوة القرآن والتهجّد وصلاة الليل، حتى في الليلة التي سبقت إجراء العملية الجراحية ورقوده على سرير المستشفى، ورغم المرض والإنهاك المفرط. فلم يكن مستعدّاً لضياع لحظة واحدة من عمره دون أن يستغلّها20.

هوامش
1- فريدة مصطفوي، ج2، ص333.
2- السيّد أحمد الخميني، ص334.
3- زهرا مصطفوي، ص335.
4- صدّيقة مصطفوي.
5- آية الله خامنئي، ص338-339.
6- عباس علي عميد زنجاني، ص336.
7- حجة الإسلام السيّد أحمد الخميني، ج2، ص334.
8- حجة الإسلام أنصاري، ص335.
9- م.ن، ج4، ص271.
10- حجة الإسلام أنصاري، ج4، ص271.
11- صحفي جريدة اطلاعات، ص28.
12- حجة الإسلام السيّد أحمد الخميني، ج2، ص340.
13- دباغ، ص340-341.
14- حجة الإسلام رحيميان، ج2، ص340.
15- حجة الإسلام محمد علي أنصاري، ج4، ص267.
16- حجة الإسلام رحيميان، ج2، ص347.
17- حجة الإسلام مسيح بروجردي، ص348.
18- دباغ.
19- الدكتور حسن عارفي، ص348-349.
20- حجة الإسلام رسولي محلاتي.

تدريب
2997قراءة
2019-01-31 10:57:51

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا