تقنيات المسرح - النص والمؤلف -
تقنيات المسرح
النص والمؤلف
إنّها مجرد إضاءات تسمح للقارئ بأن يكون مطلعاً على مختلف العمليات التي تؤدي إلى تمثيل المسرحية التي يشاهدها، والعناصر التي اشتركت في تنظيم وإعداد وتمثيل المشهد. نحن لا نكتب التقنية بل نعرض.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن عرضنا لمختلف هذه الإضاءات سيكون وفقاً لأجزاء وضمن سلسلة متتالية.
الجزء الأول: النّص.. والمؤلّف
كلّنا يعلم مدى أهميّة جودة وبناء النّص المسرحي، وما يلعبه من دورٍ كبير في عملية إبداع العمل المسرحي المتكامل. فعلى الرغم من أنّ المخرج الحاذق وبمساندة ممثلين ممتازين يستطيعُ بلوغ النّجاح بمسرحيةٍ نصّها رديء خالٍ من التميّز ، إلاّ أنّ النّص المسرحي المميّز يفتحُ أمام المخرج والممثلين آفاقاً وأبواباً للإبداع.
واليوم بات المسرح يتطلّب جهداً أكبر ابتداءً بالنّص وفكرته ومضمونه، وصولاً إلى إخراجه، وما يتطلّبه من تقنيات ونفقاتٍٍ. فالجمهور الذي بات يتسمّر بإعجاب أمام التلفاز والسينما، سوف يبتسم إشفاقاً أمام معظم المشاهد التمثيليّة التي مضى عليها زمن طويل. وبذلك يتسربل الشخص المسؤول عن العمل المسرحي بالعار والخجل أمام جمهورٍ ينتظر كلّ جديد مميّز.
أما بالنسبة للنّص المسرحي، فإنّ اختياره يعدّ مهمّة ليس بالسهلة فكيف بكتابته؟! ذلك أنّ الذوق المسرحي الجماهيري في حالة تغيّر وتطوّر مستمرة وسريعة.
الخطوة الأولى في اختيار المؤلفات المسرحية الجيدة:
قد تكون هذه الخطوة من أسهل وأسرع الخطوات في تمييز النّص الجيد من الرديء، ذلك أنّ الأخطاء تظهر بسرعة في نصًّ تنقصه اللمسات الإحترافية، وتخلو مضامينه من أية موهبة ملحوظة.
أما الأخطاء التي يمكن لحظها منذ القراءة الأولى في نصًّ غير جدير بالإهتمام:
-موضوع روتيني خالٍ من أية فكرة إبداعية.
-نسق إنشائي متصنّع كثير التنميق.
-تجديدات صبيانيّة تافهة.
-تفصيلات إيديولوجية منهكة.
-عواطف ذات سذاجة مهدئة.
-مواقف لا تشبه الواقع، ووابل من الأدب.
-عقدة لا نوابض لها.
-محبوكة بشكل اعتباطي.
-انقياد تافه لطراز زائل.
هذه قد تكون أبرز العيوب التي يمتاز بها نصّ مسرحيٍّ لا يستحقُّ أن ينفق من أجله المال والميزانيات والجهد والوقت لتنفيذه. والتي تمنع من وضع المسرحية في صفّ "الممكنات". وهكذا نرى ثلاثة أرباع الكمية أو أربعة أخماسها قد حذفت! وعندئذٍ تصبح الممكنات خاضعة لفحوص عديدة ومتتابعة ومناقشات تفصيليّة. ومن النّادر أن يظل النّص الموافق عليه على حالته الأولى؛ فالإختصاصيون ومنهم المخرج غالباً ما يطلبون من المؤلف إجراء تنقيحات وتعديلات تكزن قاسية أحياناً ما دامت وجهة نظر الكاتب غير المعتاد على المسرح مختلفة عن وجهة نظر الكاتب الذي يرى ويسمع المسرحية بعقله وأحاسيسه بدلاً من أن يقرأها.
وهذا قد يكون بحدّ ذاته -على رغم إيجابيته - خطرا وبشكلٍ كبير، إذا قد يؤدي قراءة النّص عبر الأحاسيس وعقلية الكاتب فقط إلى الغفلة عن أمورٍ كثيرة؛ فقد ينخدع حول العمل وقيمته الإنسانية؛ ولا يفطن لخطئه إلا أمام الجمهور!
وبعد النَص، يتخذ العمل المسرحي أبعاده عبر الممثلين والمخرج وباقي فريق العمل الذي يتكامل ليشكّل مشهداً متكاملاً، هو في الواقع ثمرة عملهم أكثر مما هي عمل المؤلّف؛ بحيث أنّ عمل المؤلف وحيداً لن يشاهده الجمهور! والمسرحية كعملٍ متكامل إنّما هي مشاهد تأنس بها العين و الأذن معاً!
وحين يوضع النّص قيد المراجعة والمناقشة، فيمكن أن يتعرّض لتغييرات عميقة؛ وطبعاً وفقاً لإذن المؤلف ونصائحه، ونصيحة المخرج الذي قد امتلك من الخبرة والرؤية ما يمكنه من رؤية انطباع وردة فعل الجماهير.
وأخيراً بعد التمثيل عدّة مرّات؛ فإنّ تغييرات جديدة تحدث أحياناً،وخصوصاً عمليات اقتطاع يحدثها هبوط واضح في شدّة انتباه الجمهور ناتج عن بعض المشاهد. والنّص المنشور هو عادة النّص الذي تعدل بهذه الطريقة؛ والواقع أنّ هذه النصوص تقدم إلى القارئ بصفة نهائية تجعله ينسى التغييرات التي طرأت على المخطوطة الأوليّة.
واختيار النّص لا تمليه طبيعة الجمهور فقط، بل يمليه أيضاً الممثلون الذين يمكن تجهيزهم.
- يتبع... -
فنون
1520قراءة
2016-01-10 15:18:31
نورالهدى |