القصة الأدبية القصيرة لمسرحية زهير بن القين - الشكر للأخ مهدي الطقش
زهير بن القين البجلي..
كان الرَّجلُ نبيلاً.. جليلاً.. وإن حكى نطقَ بليغاً..
وكان يتهرَّبُ من فتنٍ تشكَّلت في ظلِّ حكومة أموية، مدركاً بعد عشرين سنةٍ قضاها في كنفها أنَّ الوقوف بوجهها بغير أهلِ الرشدِ بات مستحيلاً.
كان زهير إذا دخل سوق الكوفة، ينتقي من الفاكهة أشهاها، ومن الثياب أجودها، ومن العسل أصفاه، فلم يعد يشتهي من السياسة والعسكر شيئاً..
زهير.. الجواد والمقدام، في وجه الحسين كان خجولاً.. لم يردِ اللقاء به فارغ اليدين.. فإمَّا أن يكون بكلِّه للحسين أو لا يكون.
لم يكن زهير مدركاً لما في جعبة الحسين، لم تكن ثورة الحسين واضحة المعالم عنده.
عينه كانت تبصر مجتمعاً غير لائقٍ بإمامة أحدٍ من أهلِ البيت.
فكّر زهير ملياً.
- ترى ما الجديد الذي يقود الحسين اليوم إلى العراق، حتى ألاقيه وأسير معه بهذا العدد القليل؟ أهي الكوفة؟! لا، الخروج غير مجدٍ بهمن قيادتهم دونها عقبات جمة وقفت بوجه علي والحسن، والإصلاح فيهم ضربٌ من الإعجاز.
وقف زهير أمام خيمته في زرود بعدما وصله أنَّ الحسين يطلب رؤياه. أمسك عقال الفرس، وأطرق في الأرض مفكراً يفحص التراب بطرف نعاله، وينظر إلى الخيوط التي تصنعها الرياح الخفيفة في الرمال.
- ما الذي سيطلبه الحسين مني؟ أمضي معه إلى الكوفة لأكون من جنده، ولأشهد على خيانة المجتمع له؟ هذا ليس بجديد عليك يا زهير.. لكنَّ الحسين بن فاطمة لا يطلب أحداً لنفسه، فما الذي سيطلبه لي؟ من أنا؟ حاج معتمر، تاجر ذو مال وفير، وصاحب سمعة حسنة طيبة واسعة الانتشار، وكلها نِعمُ الله؟
تاه زهير في الأفكار.
لكنَّ الطالب هو الحسين، ولا أقلّ من أن يلبّي نداء ابن رسول الله، كما ألحت زوجته دلهم بذلك.
ركب فرسه، وكزه وهرع إلى فسطاط الحسين، التقى في مخيم سبط الرسول بكوفيين لطالما خبر رشدهم.
وعند الباب خفق قلب زهير.
نزل ابن القين عن فرسه متمهلاً، كأنما سيدوس تراباً من الجنة، وكأنه ينزل على محمد بن عبد الله وقد عاد اليوم إليه مُسلماً بعد شركٍ وردّة، وهو الذي قاتل وصال وجال وغنم بين يديه.
ترك البجليّ عقال فرسه، ومشى إلى باب الفسطاط.
أشار له الكوفيون من أصحاب الحسين بالدخول.
دخل على استحياء قائلاً: السلام عليك يا أبا عبد الله..
- وعليك السلام يا بن القين..
ردَّ الحسين السلام وقد كان ينتظره خلف الباب..
تعانقا..
غاب زهير في رائحة رسول الله..
نظرَ الحسينُ في وجههِ مبتسماً.. فيما عينا زهير تبحرُ في ملامح محمد التي يراها في الحسين..
- يا زهير.. إني اخترتك رفيقاً لي في سفري إلى أهل الجنة.
تحطمت كلُّ الأحجارِ التي تراكمت على قلبِ زهير، وتلاشى تعب أكثر من ثلاثين سنة من طلب الشهادة بأبهى الحلل، كما كان يطلب من الفاكهة أشهاها، ويختار من العسل أصفاه.
- سأقتلُ مع الحسين بن علي في ساحة واحدة؟ في ساعة واحدة؟ وأرافقه إلى جنة واحدة؟ وأدخلها بيده؟
لم ينطق زهير، ابتسم فقط وأشرق.
عرفَ الحسينُ زهيراً.. والآن عرف زهيرٌ حسيناً..
أغمض زهير عيناه المغرورقتين بدموع الجائزة المقدمة سلفاً وابتسم أيضاً بحياء.. ثم استأذن كي ليتهيأ للانضمام إلى ركب الحسين..
خرج زهيرٌ ولمَّا يفارقه ذلك الاستبشار أبداً..
فوالله يا أبا عبد الله لو أنَّ الدنيا لنا باقية ونحن فيها مخلدون، لآثرنا النهوض معك على البقاء فيها..
فنون
2766قراءة
2016-01-10 17:48:32
فنون |