عمر الإنسان رهن نظام حياته
من النظريّات الكبيرة الهامّة التي ساقها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، نظريّةٌ تدور حول عمر الإنسان؛ فبرأيه أنّ الإنسان خُلق لكي يعمّر طويلًا، ولكنّه يتسبّب بتقصير عمره بنفسه، ولو أنّ كلّ إنسانٍ اتّقى ربّه، وأدّى الفرائض، وعفّ عن المحرّمات، ولم يسرف في المأكل والمشرب، -وذلك كما أمر به القرآن الكريم- لاستمتع بحياةٍ أطول.
ولا ريب في أنّ عمر الإنسان يتوقّف بعد مشيئة الله على أمرين، هما: العناية بالصحّة، والاعتدال في الطعام.
إنّ تلوّث البيئة هو من العوامل التي تؤيّد نظريّة الإمام (عليه السلام)، وهو ظاهرةٌ خطيرةٌ في بعض المناطق، قليلة الشأن في مناطقَ أخرى. وقد قامت منظّمة الصحّة العالميّة التابعة للأمم المتّحدة بدراسة أوضاع بعض المدن الأمريكيّة والمكسيكيّة من حيث التلوّث، وانتهت في تقريرها إلى أنّ التلوّث في بعض هذه المدن يفسد الهواء، بحيث أنّ سكّان هذه المدن إذ يتنفّسون هواءها، فكأنّ الواحد منهم قد دخّن كمّيّةً من السجائر تملأ علبتين في كلٍّ منها عشرين سيجارةٍ في اليوم ممّا يترك أثرًا غير صحّيٍّ في جسم الإنسان، وكذلك استنشاقه للهواء
الملوّث يفسد صحّته بنفس القدر.
ومن العوامل التي تضرّ بالصحّة: الضوضاء والأصوات المزعجة، وقد ثبت من الناحية العلميّة بأنّ للصوت المزعج أو الضوضاء أثرًا سيّئًا في سلامة الإنسان وهدوء أعصابه.
وقد عمل المهندس الفرنسيّ (كامي روجرون) على دراسة آثار الأصوات المزعجة والضوضاء في صحّة الإنسان، وبرأيه أنّ لهذه الأصوات تأثيرًا في جسم الإنسان يعادل تأثير الأوكسجين في الحديد، فكما أنّ الأوكسجين يصيب الحديد بالصدأ والتآكل، فكذلك الضوضاء تصيب الجسم بالعلّة والمرض ممّا يختزل من عمر الإنسان.
ومن الآثار السيّئة للضوضاء إحساس المرء بالتعب والإرهاق، ثمّ جنوحه إلى الكسل، والعزوف عن العمل دون أن تكون هنالك أسبابٌ عضويّةٌ أخرى أدّت إلى هذه الظواهر، والمصاب بالملل والإرهاق لا يدري لهما سببًا، ويعجز الطبيب عن تشخيص أيّ علّةٍ عضويّةٍ أدّت إليهما.
وفي رأي روجرون أنّ الضوضاء تؤدّي، فضلًا عن الإجهاد والإرهاق العصبي، إلى تقصير العمر.
كما ومن المؤكّد أيضًا، أنّ للتغذية السليمة دورًا فعّالاً في إطالة العمر، في حين أنّ سوء التغذية (أو الأنيميا) يتسبّب في تقصير عمر الإنسان. والأنيميا هي عارضٌ من عوارض الحياة الميكانيكيّة العصريّة.
ننتهي من كلّ ما تقدّم إلى أنّ العلماء المعاصرين قد أثبتوا بصورةٍ علميّةٍ صِدق نظريّة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) القائلة بأنّ في وسع الإنسان أن يعمّر طويلًا لولا أنّه يعمل بنفسه على تقصير عمره، ففي ظلّ الحياة الميكانيكيّة العصريّة التي فشت مؤخّرًا، حلّت الموادّ الصناعيّة محلّ الموادّ الغذائيّة الطبيعيّة، وأصبح الإنسان يتناول أطعمةً مجهزّةً من موادّ كيميائيّةٍ ومركّبة، ممّا أضرّ بالصحّة، وأدّى إلى تقصير العمر.
إنّ أئمّتنا لم يُغفلوا شيئًا فيه صالح دنيانا وآخرتنا.
المصدر: كتاب "الإمام الصادق (عليه السلام) كما عرفه الغرب"؛ ترجمة الدكتور نور الدين آل علي
تنمية مجتمع
1611قراءة
2016-01-06 09:06:42