سحرٌ يغيّر الفكر
يستقبل الطفل الأحاسيس والمعلومات من البيئة المحيطة به، فهو يبني شخصيّته ويكوّن أفكاره ومعتقده من خلال محيطه البيولوجيّ والنفسيّ والإجتماعيّ والفكريّ. فتكون القصّة بالنسبة له ككلماتٍ سحريّةٍ ترنُّ على مسامعِه فتؤثّرُ فيه، وتعطيهِ حلولًا لمشاكلهِ التي يمكنُ أنْ يكونَ قدْ تعرّضَ لها أو قد تصادفهُ في المستقبلِ؛ ومن الممكنِ أن نتركَ للطفلِ الخاتمة المفتوحة لتثير في نفسه جدلًا ينتهي بحلّ المشكلة.
ولقد ناشد أطبّاء نفسِ الأطفال مؤخّرًا الأمّهات بضرورة العودة لقصص ما قبل النوم التي ترويها الأمّ أو الجدّة بصوتها الحنون، بدلًا من الاعتماد الكُلّيّ على التكنولوجيا، لأنّ وجود الأم إلى جوار ابنها قبل نومه يزيد من ارتباطه بها، و يبثّ في نفسه قدرًا كبيرًا من الطمأنينة، كما أنّ سرد القصّة لها أهميّةٌ خاصّةٌ، لأنّ أحداثها تختمر في عقله و تثبت في مركز الذاكرة من المخّ أثناء النوم، فتظلّ راسخةً في ذاكرته، الأمر الذي يجعل منها وسيلةً رائعةً ومثمرةً من وسائل التربية.
والأكثر تأثيرًا، عندما تؤلّف الأمّ القصّة فتكون ممزوجةً ببعض القيم أو السلوكيّات التي ينبغي تعديلها لدى الطفل، وتحمل هذه القصّة في جيبها عطف الأمّ وحنانها وخوفها فترسل ذبذباتٍ تؤثّر على نفسه وروحه.
وكأنّ الطفل يعيش في عالمٍ مسحورٍ يضفي الحياةَ على كلّ شيءٍ، كتصوّره لكتابٍ يتكلّم، أو عصًا تتحرّك أو ذئبٍ يكيد مكيدةً لليلى، فهو لا يستطيع تمييز الحقيقة من الخيال ولا يربطها أصلًا بأسبابها الحقيقيّة، فكلّ هذه القصص يعيشها الطفل كأنّها عالمه ولا يشعر بما نشعر، ولا يستطيع أن يعيش الواقع كما نراه نحن.
الطفل يلبس نظّاراته الملوّنة بألوان قوس الرحمٰن التي تريه الفضاء يتحرّك ويلعب معه.
والمشكلة التي تواجه بعضنا أنّنا نريد أن نسلبه أحلامه ليعيش واقعنا، وأن نسلبه عصاه السحريّة، ومرآته التي تتكلّم. بينما من المفترض أن نعيش واقعنا وقيمنا بشخصيّاته هو، فنصل عندها إلى نقطة التقاءٍ يمكننا استغلالها لتعديل أيّ سلوكٍ غير سويٍّ عند الطفل، شرط أن نستخدم معارفنا بأسلوبه ليفهمه، لأنّ عقله لم يدرك الكمال بعد ولم يبلغ مرحلة الوعي. فنلتمس روحه الطفوليّة ونحرّك داخله قوانينًا ودستورًا يسير عليه في الحياة بدون محاضراتٍ، فالكلمة تعبر إمّا كالسهم الجارح أو كنورِ أملٍ يشعّ من الأرض باتّجاه السماء، علينا فقط اختيار الأسلوب المناسب والقصص المناسبة، أقربها لقلب الطفل وأكثرها تأثيرًا.
والجدير بالذكر أنّ للقصّة فوائدٌ كبيرةٌ تنعكس عليه وعلى حياته بشكلٍ عامٍّ، منها أنّها تنمّي عنصر الخيال لديه فيبحر على بساطٍ من ريحٍ إلى عوالمَ وأزمنةٍ وأشخاصٍ يرسمها خياله الصغير على شكل صورٍ من شأنها أن تطوّر قدرته على الإبداع وتأليف القصص الخاصّة به؛ بالإضافة إلى المخزون اللغويّ الكبير الذي يكتسبه من خلال مفردات القصّة، فيتحضّر الطفل بفعاليّةٍ لمرحلة الدراسة والتقدّم في اللغة مقارنةً بأقرانه ممّن لم يقرأ لهم والديهم ايّ قصّةٍ، ويدرّبه الاستماع للقصّة على الانصات والتركيز والانضباط والالتزام، وذلك من خلال انجذابه لوالديه حين يقرآن له القصص المنوّعة، فلا يشرد بعيدًا، كما تُعزّز لديه مهارات الاتّصال من خلال القدرة على التعبير عن النفس والتواصل مع الآخرين، والتفاعل معهم، بالإضافة إلى توجيه الحديث إلى الوالدين، ومناقشة أحداث القصّة، وطرح الأسئلة المتعلّقة بها، ممّا يسهّل عليه التواصل مع الغير بكفاءةٍ في المستقبل.
تساهم القصّة أيضًا في توطيد علاقة الأطفال بأهاليهم، حيث يقضي الطفل يومه محاولًا استكشاف ما حوله، ولا شكّ في أنّ جلوسه قبل النوم لسماع قصّةٍ سيوطّد العلاقة بينه وبين والديه ويعزّزها، ويجعلها عادةً يوميّةً بالنس بة له.
كلّ هذه الفوائد يحصل عليها الطفل في إطارٍ من المتعة والتسلية والتعلّم في آنٍ واحدٍ، وفي جوٍّ من العطف والحنان.
كتابة: الأخت حنان حيدر.
أمانة برامج القادة
2637قراءة
2018-07-17 10:57:10