كتابة: كلير جوبير.
تعريب: د. أميمة علّيق.
كان السنجاب الصغير "مرمر" يعيش على شجرة صنوبرٍ جميلةٍ جدًّا، بالقرب من بيت الجدّة الوحيدة "سكينة". كان سنجابنا سعيدًا جدًّا لأنّ الجدّة كانت تعطيه الجوز واللوز والبندق كي يأكلها في فصل الشتاء البارد، وكانت تحبّه كثيرًا. ولكن يا أصدقائي كان سنجابنا يحزن كثيرًا. هل تعلمون متى؟ حين كان يسمع الجدّة سكينة تنادي وتدعو أحدًا اسمه "الله". ولم يرَ يومًا أن الله قد سمع نداء الجدّة وأجابها، أو جاء لزيارتها.
"مسكينةٌ الجدّة سكينة، مسكينة" كان يردِّد سنجابنا "مرمر". وفكّر قليلاً فقال: "الجدّة لا تستطيع أن تذهب كي تفتّش عن الله لأنّها عجوزٌ وضعيفة". فحزن مرمر، لأنّه أمرٌ صعبٌ أن تنادي أحدهم ولا يسمعك، أليس كذلك يا أحبّتي؟
وبينما هو جالسٌ على شجرته خطرت في باله فكرة: "أنا سأذهب لأفتّش عن الله الذي تتكلَّم معه دائمًا الجدّة سكينة كي أقول له كم هي تناديه وتنتظر أن يأتي لزيارتها".
فقفز بسرعة من غصنٍ إلى آخر، حتّى وصل إلى الأرض وانطلق في بحثه عن الله.
"ولكن كيف سأعرفه وأنا لم أره بعد؟ لأذهب الآن وأرى ما الذي سيحصل"، قال مرمر وهو يتابع ركضه.
نظر إلى الأعلى فرأى الجبل العالي، فأسرع إليه وهو يفكّر: إنّ الجبل عالٍ جدًّا وطبعًا يستطيع أن يرى كلّ شيء، وقد يستطيع أن يرى الله، أو يناديه كي يأتي إليه.
-"أيّها الجبل، -صرخ مرمر بصوتٍ عالٍ جدًّا- أنا أبحث عن الله هل تعرفه؟".
-"طبعًا طبعًا أنا أعرفه فهو الذي وضعني هنا، وهو الذي خلقني بهذا الحجم، وهو أكبر منّي بكثير، إنّه أكبر من كلّ المخلوقات".
تفاجأ مرمر وقال: "أكبر من كلّ المخلوقات؟"، وتابع طريقه بحثًا عن أكبر المخلوقات.
وكان يردِّد في طريقه "أكبر من كلّ المخلوقات، أكبر من كلّ المخلوقات...".
سمعته فراشة، فصرخت بصوتٍ عالٍ: "إنّك تبحث عن الله أليس كذلك؟".
فقال مرمر بسرعة: "وهل تعرفينه أنتِ؟".
أجابته الفراشة الجميلة: "طبعًا، فهو الذي أعطاني هذه الأجنحة الجميلة، وهو أجمل من أجنحتي بكثير إنّه أجمل من كلّ المخلوقات".
قال مرمر: "أكبر من كلّ المخلوقات وأجمل منها كلّها... لا بدّ أنّه مهمٌّ جدًّا كي تناديه الجدّة سكينة دائمًا. ولكن هذا الشخص المهم لا بدّ وأنّه مشغول دائمًا ولا أعتقد أنّ لديه الوقت الكافي كي يأتي ويزور الجدّة سكينة".
فقالت الفراشة: "لا، إنّ الله يهتمّ بكلّ المخلوقات، ولا ينسى أحدًا أبدًا أبدًا... هذه الوردة الصغيرة مثلاً، لا ينساها أبدًا، فهو ألطف من كلّ المخلوقات".
"ألطف المخلوقات" كرر السنجاب مرمر، وهو يكمل طريقه في الغابة. حتّى قفز الدبّ البنّيّ الضخم أمامه وهو يقول له "إنّك تبحث عن ألطف الكائنات؟".
"نعم نعم أيّها الدبّ، وهل تعرفه أنت؟" أجاب السنجاب مرمر، وهو يحاول أن يتسلّق إحدى الشجرات كي يحتمي من الدبّ القويّ والكبير.
-"نعم، إنّ الله الذي أعطاني هذه القوّة كي أستطيع العيش في الغابة، ولكّنه أقوى منّي بكثير، إنّه أقوى من كلّ الكائنات".
وابتعد الدبّ البنّيّ الكبير الضخم، تاركًا مرمر مبهوتًا متفاجئًا، وهو يحدّث نفسه "أقوى من كلّ الكائنات!".
-"أتبحث عن الله؟" قال صوتٌ من السماء.
-"نعم نعم، ولكن من أنتِ ومن أين تتكلمين؟".
-"أنا الشمس يا صغيري، ولكن انتبه لا تنظر إليّ فإنّك ستؤذي عينيك".
-"وهل تستطيعين أن تقولي لي أين هو الله؟ فأنا أبحث عنه. ولكن انظري إليّ فأنا صغير ولا أستطيع أن أقفز كثيرًا كي أصل إليكِ وقد أضعت الكثير من الوقت".
قالت له الشمس: "إنّ الله يا صغيري في كلّ مكان، ولست بحاجةٍ أن تذهب إلى البعيد كي تجده، إنّه معك دائمًا".
نظر مرمر إلى الشمس وقال بفرح: "يعني أنتِ هو الله أليس كذلك؟ فأنت كبيرةٌ ولطيفةٌ وجميلةٌ وقويّة، وأنت في كلّ مكانٍ تضيئين كلّ العالم؟".
"نعم أنا كذلك، ولكني لست الله"، أجابت الشمس بهدوء، "بل الله هو الذي خلقني، والذي جعلني مضيئة".
حزن السنجاب كثيرًا، فهو الذي جاء كي يحضر الله إلى بيت الجدّة، وهو الآن يجد أن الله في كلّ مكان وهو القويّ والجميل واللطيف والمنير،... ولكن لا يستطيع أن يراه كي يخبره عن وضع الجدّة.
همست الشمس في أذن السنجاب قائلةً: "إذا كنت أنا نورًا بسيطًا وعليك أن لا تنظر إليّ لأنّك سوف تؤذي عينيك فكيف بنور الله؟ ولكن لا تحزن يا صديقي حتى لو كنت لا تراه فهو يراك ويسمعك".
"وهل يسمع صوت الجدة الضعيف أيضًا؟"، سأل مرمر بفرح.
"طبعًا هو يسمعها دائمًا. لقد حان الوقت يا صغيري كي ترجع إلى بيتك، فالآن سوف تقلق الجدّة إذا تأخّرت".
كانت الجدّة تنتظر مرمر تحت شجرة الصنوبر، فقد عرفت قصّة مرمر، وأنّه يبحث عن الله من عصفور كان يمرّ بالقرب من البيت، وحين وصل السنجاب الصغير، قفز بين يدي الجدّة فاحتضنته بحنان وهي تقول له: "هناك كثيرٌ من الأشياء لا نستطيع أن نراها، مثل حُبِّي لك، فأنت تشعر به فقط دون أن تراه، وابتسامتي لك هي علامة أنّني أُحِبُّك. فنحن لا نرى الله ولكن العالم مليء بالعلامات التي تدُلّ عليه".
فقال السنجاب: "مثل الجبال العالية، ومثل الفراشات الجميلة، والشمس العطوفة".
"والكثير من الأشياء الأخرى، فأنت إذا أحببت الله كثيرًا، سوف تستطيع أن تراه بعيون قلبك"، قالت الجدّة ذلك، وكان السنجاب الصغير مرمر، يغمض عينيه كي ينام بعد يومٍ مُتعِب.
أسئلة حول القصّة:
1. من هو "مرمر"؟ ولماذا كان حزينًا؟
2. بماذا كان يفكِّر "مرمر"؟ وماذا قرّر أن يفعل؟
3. من سأل "مرمر" أوّلاً عن الله؟ وبماذا أجابه؟
4. بماذا وصفت الفراشة الله، بعد أن سمعت "مرمر" يقول متعجّبًا "أكبر من كلّ الأشياء؟!"
5. لماذا طلبت الشمس من "مرمر" أن لا ينظر إليها؟ وبماذا أخبرته؟
6. من خلال الحوار الذي جرى بين "الجدّة" و "مرمر"، هل عثر "مرمر" على "الله"؟
7. أخبروتي أنتم، كيف تعثرون على الله، وكيف تتعرَّفون إلى وجوده؟
أمانة برامج الجوالة والكشافة
8786قراءة
2017-06-12 14:41:40