أمّا المقام المعنويّ لهذه السيّدة العظيمة، بالنسبة لمقامها الجهاديّ والثوريّ والاجتماعيّ، فهو أعلى بدرجات. فاطمة الزهراء عليها السلام في الظاهر هي بصورة بشر، وامرأة، وامرأة شابّة أيضاً؛ ولكنها في المعنى هي حقيقةٌ عظيمة ونورٌ إلهيٌّ ساطع، وعبدٌ صالح، وإنسانٌ مميّز ومصطفى. هي شخصٌ قال فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: "يا عليّ أنت إمام أمّتي وخليفتي عليها من بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنّة، وكأنّي أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيبٍ من نور عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك تقود مؤمنات أمّتي إلى الجنّة"، أي أنّه يوم القيامة يقود أمير المؤمنين عليه السلام الرجال المؤمنين، وتقود فاطمة الزهراء عليها السلام النساء المؤمنات إلى الجنّة الإلهيّة. فهي عِدْل أمير المؤمنين عليه السلام . هي الّتي إذا وقفت في محراب العبادة فإنّ آلاف الملائكة المقرّبين لله يخاطبونها ويسلّمون عليها ويهنّئونها ويقولون لها ما كانوا يقولون في السابق لمريم الطاهرة عليها السلام : "يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"، هذا هو المقام المعنويّ لفاطمة الزهراء عليها السلام .
امرأةٌ أيضاً في سنّ الشباب وصلت بلحاظ المقام المعنويّ، بحسب ما نُقل في الروايات، إلى حيث تحدّثها الملائكة وتظهر لها الحقائق "المحدَّثة".
أي من تحدّثها الملائكة وتتكلّم معها. وهذا المقام المعنويّ والميدان الوسيع والقمّة الرفيعة هي في مقابل جميع نساء عالم الخلقة. إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام في قمّة هذا العلوّ العظيم تقف وتخاطب كلّ نساء العالم، وتدعوهنّ لطيّ هذا الطريق. هؤلاء الّذين كانوا عبر التاريخ - سواء في الجاهلية القديمة أم في جاهلية القرن العشرين - قد سعوا لتحقير المرأة وجعلها متعلّقة بهذه الزخارف والزينة الظاهرية ولا همّ لها سوى الموضة واللباس والزينة والذهب والزخارف، ولا همّ لها سوى أن تقضي هذه الحياة في لهوٍ وعبث، وقد تحرّكوا من أجل ذلك، إنّ منطقهم هو منطق يشبه الثلج والجليد مقابل حرّ شمس المقام المعنويّ لفاطمة الزهراء عليها السلام، سيذوب وينعدم. يعرّف الإسلام فاطمة - هذا العنصر المميّز والملكوتيّ الممتاز - بعنوان الأنموذج والأسوة للنساء. وهو تلك الحياة الظاهرية والجهاد والعلم والبيان والتضحية وحسن التبعّل والأمومة والزوجة والمهاجرة والضحور في جميع الميادين السياسية والعسكرية والثورية، والتفوّق في جميع الجوانب بحيث يخضع لها كلّ الرجال العظماء، بل هذا أيضاً المقام المعنويّ والركوع والسجود ومحراب العبادة والدعاء والصحيفة والتضرّع والذات الملكوتية وتألّق العنصر المعنويّ وكذلك عِدْل ووزان أمير المؤمنين عليه السلام والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم . المرأة هي هذه. والقدوة للنساء الّتي يريد الإسلام أن يصنعها هي هذه.
(من كلام للقائد الخامنئي حفظه الله في 26/10/1368)