"... إلا أن ترحمني أنت!"
في دعاء أبي حمزة الثمالي، يخاطب الإمام ربَّه قائلاً: «اَللّهُمَّ ارْحَمْنِي إِذا انْقَطَعَتْ حُجَّتِي، وَكَلَّ عَنْ جَوابِكَ لِسانِي، وَطاشَ عِنْدَ سُؤْالِكَ إِيّايَ لُبِّي»؛ ارحمني في ذلك الوقت الذي تسألني فيه ولا يوجد لديّ جواب أقدّمه بين يديك - وذلك حين يبدأ حساب الأعمال، وينبغي علی الإنسان أن يتمكن من الجواب - «كَلَّ عَنْ جَوابِكَ لِسانِي»، و«انْقَطَعَتْ حُجَّتِي» وانتهى استدلالي - فإنّ لكلّ إنسان أدلة يقدمها: "قمت بهذا العمل لهذا الدليل ولذاك السبب"، ولكن بعد أن تُردُّ كل واحدة منها، يبقی صفر اليدين - «وَطاشَ عِنْدَ سُؤْالِكَ إِيّايَ لُبِّي»، وبقي عقلي وقلبي وروحي أمام هذه الأسئلة المتتالية في حيرة وضياع؛ هذا ما يحدث. أنا العبد لله قد جرّبته بنفسي، هذه تجربتي، وما كنتُ ناوياً من قبل ذكرها، ولكنها الآن خطرت على بالي، وجرت علی لساني، وسأذكرها لكم: عندما تعرّضتُ لتلك الحادثة (محاولة الاغتيال) عام 1360ه.ش (1981م) في مسجد أبي ذر، أصابتني حالة الإغماء. خلال الفترة التي حملوني فيها من داخل المسجد إلی السيارة، استفقتُ مرتين أو ثلاثاً، ورجعت إلی حالة الإغماء، حتی دخلتُ أخيراً في غيبوبة كاملة. في إحدی تلك الحالات التي استرجعت فيها وعيي، شعرت بأن هذه هي اللحظات الأخيرة، أي إنّني أحسست بالكامل بأنها لحظات الموت. فجأة تجسّدت كل حياتي السابقة أمام عيني. وفكّرت في نفسي: ماذا لدي الآن لأعرضه؟ فكّرت وفكرّت كثيراً، وجدت أن أعمالي كلها بالإمكان أن تتعرض للبحث والنقاش. حسناً، لقد جاهدنا، ودخلنا السجون، وتعرّضنا للتعذيب، وقمنا بالتعليم والتدريس، بذلنا جهوداً -هذه هي الأمور التي تخطر في ذهن الإنسان- ولكنّي رأيتُ في تلك اللحظة أنّ بالإمكان أن يناقشوني في كل واحدة منها، قائلين بأنك في القضية الفلانية من الممكن أن تكون قد خلطت نيّتك بنية غير إلهية، وبهذا يتبدّد العمل! فجأة أحسستُ بأني معلَّقٌ بين السماء والأرض، كالإنسان الذي لا يجد لنفسه أي ملجأ ولا مأوی. فقلت: يا إلهي! إن وضعي هو هذا، وأنت تری حالي، الظاهر أنّي لا أملك شيئاً، وحين أحاسبُ نفسي، أجد أنني صفر اليدين، إلا أن ترحمني أنت. هذه الحالة تحدث للإنسان. فلنحاول اغتنام هذه الفرص.
الإمام الخامنئي دام ظله 5/6/2016