حق الصدقة
يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق:
"وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الأشهاد، فإذا علمت ذلك، كنت بما استودعته سراً، أوثق بما استودعته علانية، وكنت جديراً أن تكون أسررت إليه أمراً أعلنته وكان الأمر بينك وبينه فيها سراً على كل حال، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثقُ في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليه.
ثم لا تمتّن بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه لأن ذلك دليلاً على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتنّ بها على أحد ولا قوة إلا بالله".
عندما يعيش الإنسان مع الناس بحاجاتهم وقضاياهم ومشاكلهم ويتفاعل معهم عاطفياً وفكرياً وعملياً فإنّه بذلك يتحول من مجرد كونه فرد عادي إلى عنصر معطاء.... يعطي العلم والأخلاق والأدب والإخلاص... وحين يظل يعطي ويعطي يتحوّل كله إلى عطاء... خاصة إذا ما كان العطاء يخرج من نفس طيبة يرافقها إحساس بآلام الناس وحاجاتهم... وإذا قصد به تنفيس كربة مسلم وإعانة محتاج وسد خلة فقير فإن ذلك يتحوّل إلى عبادة تعادل الصلاة والصيام...
والعطاء بمفهومه الإسلامي إنما يشمل العطاء المادي والمعنوي، ومنه ما هو واجب يتمثل بالحقوق الشرعية من خمس وزكاة وتعليم جاهل لأحكام دينه.... ومنه المستحب الذي قد يأخذ صفة الصدقة والهدية والهبة...
والإمام زين العابدين (عليه السلام) إنما يضعنا أمام صورة الصدقة التي تتجسد في العطاء المجاني دون مقابل سواء كانت واجبة أو مستحبة، ولعلها إلى الاستحباب أقرب منها إلى الوجوب.
إن الصدقة التي تخرجها عن ملكك إلى فقير محتاج تعبر عن مساهمة جادة في إيصال الخير إليه. وإن هذه الصدقة مهما كانت قليلة أو صغيرة إذا توجهت بها نحو الله تكون كبيرة وجليلة وقد ينزل فيها قرآن وتتلى فيها آيات، وحادثة الإطعام التي قدّم فيها أهل البيت (عليهم السلام) طعامهم إلى المسكين واليتي والأسير نموذج من هذا الطهر والإيمان.
إن الصدقة لا تضيع وليس أجرها وثوابها يضيع بل إنها لا تحتاج إلى الأشهاد لأنها حسب بعض الروايات تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، وإذا كان الله هو الذي يتقبلها فلن تضيع وكلما كانت سراً كانت أكثر ثواباً لأنها تحفظ على الفقير ماءوجهه وتصون كرامته وتستر عليه حاجته.
ونختم بقوله تعالى:
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
[البقرة : 262]
فاحذروا أخوتي... فالمنّ يفسد الصّدقة ويضيع أجرها وإذا فسدت لم يستفد منها الإنسان لنفسه شيئاً، ولو كنت مريداً أجرها فراعِ شروط قبولها.
الأنشطة الثقافية
1931قراءة
2016-01-07 15:12:51