قصة وعبرة
سجود الشاب لله تعالى
يُحكى أنّ عاصفةً قويةً ضَرَبت إحدى السفن المسافرة ، وأثارَت عليها أمواجَ البحر ، فتحطّمت بالقرب من إحدى الجُزر البعيدة ، ولم يَنجُ من المسافرين سوى امرأةٍ مع طفلها الرضيع .
فإنّها تَشبَّثت بعمودٍ من أعمِدةِ السفينة المُحطَّمة ، ودَفَعت بها الأمواجُ إلى تلك الجزيرةِ المُوحشةِ الخالية من السكّان .
وبينما كانت المرأةُ تبحثُ وسطَ الغابةِ عن مَأوى لتأوي إليه مع طفلها، لَدَغَتها أفعى كبيرة ، فتُوفّيت متأثّرةً بالسم ، وبَقي الطفلُ يصرخ ويبكي .
وصادَف أن مرّت غزالةٌ فأشفَقَت على الطفل ، وحَمَلته إلى بيتها تُرضعه من حليبها ، وهناك عاشَ الطفلُ وكَبرَ وأصبحَ شاباً قوياً ، مَفتولَ العضلات ، لا يَهابُ الأُسود، ولا يخاف النُمور .
واغترَّ الشابُّ بقوّتِه إلى درجةٍ أصبحَ بعدَها يَعتدي على الحيوانات الوديعة والضعيفة، فكان يُطاردُ الحيوانات ، ويَنشرُ الخوفَ في رُبوع تلك الجزيرة.
وذاتَ يوم تسلّقَ جبلاً شاهِقاً ووقف على قمّتِه وهَتفَ بأعلى صوته : أنا الإنسان الجبّار، أنا القوي ، أنا الذي أصرَعُ الأسَد وأقتل النمر، أنا مَلِك الغابة وحاكمُ الجزيرة، وسيّدُ الجميع .
وكانت الأصداء تُردّد صوتَ الشاب
، ولكنّه سمع صوتاً غريباً يناديه : أيها الإنسان، فالتفَتَ إلى جهة الصوت، فإذا الشمسُ هي التي تكلّمه.
فقالت الشمس : أيها المخلوقُ الضعيف، فأجابَ الشاب : نعم ! نعم ! لا أستطيعُ النظر إليكِ لنوركِ الساطع.
وهنا تناولت الشمسُ غَيمةً صغيرة ناصعةَ البَياضِ وحجبت بها وجهها ، وبدأت تكلّمه : أيها الإنسان ، إنّك كائنٌ ضعيف ، فلماذا تَغترّ بقوّتك ، ولا تَشكرُ مَن مَنَحَك هذه القوة ؟ أتدري لو أنّني اقتَربتُ منك لأحرَقتُكَ بحرارتي المُلتهبة، ولو ابتَعَدتُ عنك لَمِتَّ مِن شدّةِ البرد ؟!
وفي الأثناء سَمع الشابُّ صوتاً يُناديه من أسفلِ الجبل : أيها الإنسان، التفَتَ الشابُّ فإذا هو النهر.
فقال النهر : لماذا تَغترُّ بقوّتكَ أيها المخلوقُ الضعيف ، ولا تَشكُر مَن مَنحَكَ نعمةَ الماء ، فهل تَستطيعُ أن تعيشَ دونَ ماء ؟ سوف تَموتُ مِن العطش والظمأ ؟
وهنا هَمسَ الهواءُ بأُذنه قائلاً : لا تَكُن مَغروراً بقوّتك، لو لم أدخُل أنفَكَ لما استطعتَ أيها المخلوقُ الضعيفُ أن تعيشَ أكثرَ من لحظات، فاشكُر مَن منَحك هذه النعمة .
فلم يَكد ينتهي الهواءُ من كلامهِ حتّى ثارت ثائرةُ البحر، وتلاطَمت أمواجُه العالية، وهَتَفت الأمواجُ قائلة : لقد سمعتُ كلامَك أيها المخلوقُ المَغرور، أنا الذي حَمَلتُكَ على ظهري وألقيتُ بك إلى الساحل، وإلاّ لأصبحتَ طَعاماً للحِيتان.
فأطرقَ الشابُّ برأسهِ مُفكّراً، ثمّ رفعَ رأسَهُ قائلاً : نَعم، إنّني مخلوقٌ ضعيف حقاً ، ولكن لماذا تُعطونني كلّ هذه النعم ؟!
فأجابت الشمسُ والأشجار ، وأجابَ النهرُ والهواءُ والبحر : أجابوا جميعُهم بصوتٍ واحد : إنّ الله الذي خَلَقنا هو الذي سَخَّرنا لخدمتِكَ أيها الإنسان ، فعلَيك أن تَشكُرَ اللهَ على نِعمهِ وآلائه.
وهنا هوى الشابُّ ساجداً لله الذي مَنَحه النِعم، ووهَبَ له كلَّ شيء وأفاضَ عليهِ البركات، فخاطبه الجميع : لقد أحسَنتَ صُنعاً أيها الإنسان .
تدريب
1697قراءة
2015-12-20 19:35:03
فنون |