حقوق الإنسان على نفسه
نقف عند رسالة الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام التي حدّد فيها الحقوق، حقّ الله عليك، وحقّ نفسك عليك، وحقّ الناس عليك، وحقّك عليهم.
هذه الرسالة الفريدة العظيمة في مضامينها والتي تشتمل على أسرار العلاقات الإنسانيّة، والتي نحتاج أن نقرأها دائماً حتى نعيش في حياتنا الخاصّة والعامّة معنى المسؤوليّة، فلا يشعر الإنسان أنّه حرّ أمام شهواته ولذّاته ونوازعه الذاتيّة، بل يعرف أنّ الله عزّ وجلّ جعل للأشياء وللأشخاص حقوقاً عليه كما جعل حقوقاً عليهم. وأنّه يتحرّك في حياته ضمن المسار الذي حدّده الله له.
إنّ خلاصة رسالة الحقوق هي أنّ الإنسان في هذه الحياة هو إنسان مسؤول، فالمسؤوليّة تحيط به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وفي موقفه بين يدي ربّه.
يقول عليه السلام: "وأما حقّ نفسك عليك فأن تستعملها بطاعة الله عزّ وجلّ، فتؤدّي إلى لسانك حقّه، وإلى سمعك حقّه، وإلى بصرك حقّه، وإلى يدك حقّها، وإلى رجلك حقّها، وإلى بطنك حقّه، وإلى فرجك حقّه، وتستعين بالله على ذلك".
حقّ اللسان:
"أما حقّ اللسان فإكرامه عن الخنا"، والخنا هي كلمات الفحش والسباب والشتائم.
"وتعويده على الخير" بأن تدرّب لسانك على أن لا يقول إلاّ الخير وما ينفع نفسك والآخرين.
"وحمله على الأدب" أي أن تحمله على الكلمات التي تمثّل أدبك مع ربّك ومع الناس وذلك بأن تتكلّم الكلمات التي تفتح عقول وقلوب الناس عليك، ولا تثير حساسيّاتهم، ولا تعمل على إثارة أعصابهم أو إلحاق الأذى بأنفسهم أو بحياتهم.
"وإجمامه إلاّ لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا" أي أن تمسك لسانك عن الكلام إلاّ لموضع الحاجة والمنفعة.
"وإعفاؤه من الفضول الشنيعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن شرّه" أي الكلام الذي لا داعي له ولا معنى له أو الكلام الذي يمكن أن يؤدّي إلى شرٍ أو إضرار بالآخرين.
حقّ السمع:
"وأما حقّ السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلاّ لفوّهة كريمة، تحدث في قلبك خيراً أو تكسبك خلقاً كريماً فإنه (أي السمع) باب الكلام إلى القلب يؤدّي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شرّ" أي أنّ السمع هو النافذة التي تطلّ على العقل فالكلمات تنطلق من الآخرين لتدخل من خلال هذه النافذة لتستقرّ في قلبك وعقلك.
حقّ البصر:
"وأما حقّ بصرك فَغَضُّه عما لا يحل لك" ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ..﴾﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ النور/31-30 "وترك ابتذاله إلاّ لموضع عبرة تستقبل به بصراً أو تستفيد به علماً فإنّ البصر باب الاعتبار" يعني أن تستعمل بصرك للتأمّل والبحث والاستفادة، بأن تحاول عندما تنظر إلى ما حولك وما فوقك وما تحتك أن تنظر على أساس أن تستفيد منه عظة وعبرة.
حقّ الرجلين:
"وأمّا حقّ رجليك أن لا تمشي بها إلى ما لا يحلّ لك، ولا تجعلها مطيَّتك في الطريق المستخفّ بأهلها فيها، فإنّها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين" أي عليك أن تحرّك رجليك إلى مواقع العدل والحقّ والجهاد وإلى مواقع العمل في سبيل الله وإلى الغايات والأهداف التي يحبّها الله ولا تحرّكها إلى المواقع التي لا يرضاها الله لأنّ رجليك غداً سوف تطالبانك بحقّها.
حقّ اليد:
"وأما حقّ يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك" فلا تضرب إنساناً بغير حقّ ولا تضرب ولدك بغير حقّ، أو زوجتك بغير حقّ، أو جارك بغير حقّ، أو من هو أضعف منك، لا تحرّك يدك إلى ما لا يحلّ لك، "فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل" يوم القيامة "ومن الناس اللائمة في العاجل، ولا تقبضها عما افترض الله عليها" أي لا تمسك يدك عن المسؤوليّات التي يريد الله لك أن تتحرّك فيها، فلا تمسك يدك عن الجهاد إذا كان الجهاد واجباً عليك، أو عن العطاء إذا كان العطاء واجباً عليك أو عن الدفاع عن المظلومين، "لكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحلّ لها - أي تمسكها عن الحرام - وبسطها إلى كثير مما ليس عليها" أي ترسلها للحلال، فإذا التزمت هذا البرنامج في يدك بأن منعتها عن الحرام وأرسلتها للحلال "فإذن هي قد عقلت وشرفت في العاجل، ووجب لها حسن الثواب من الله في الآجل".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مهدي
1480قراءة
2016-01-21 19:55:40
doha tarhini |